للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومسألة القدر يحتاج فيها إلى الإيمان بقدر الله، وإلى الإيمان بشرع الله، فطائفة غلب عليهم التصديق بالأمر والنهي، والوعد والوعيد، فظنوا أن هذا لا يتم إلا بالتكذيب بالقدر، فأخطأوا في التكذيب به، وطائفة ظنت أن الإيمان بالقدر لا يتم إلا بأن يقول: إن الرب تعالى يخلق ويأمر لا لحكمه ولا لرحمة، ولا يسوي بين المتماثلين، بل بإرادة ترجح أحد المتماثلين لا لمرجح.

واشتركت الطائفتان في أن القادر المختار يرجح أحد مقدوريه على الآخر بلا مرجح.

وهذا أصل مذهب القدرية النفاة، ولهذا قالوا: إن العبد لا يحتاج في ترجيح أحد مقدوريه على الآخر إلى مرجح يفتقر فيه إلى الله تعالى، وإن الله لا يمتن على المطيع بنعمة أنعم بها عليه دون العاصي صار بها مطيعاً، وتوهموا أن هذا من الظلم الذي يجب نفيه، وظن أولئك أنه لا يمكن أبطال قولهم إلا بأن يقال: الظلم ممتنع لذاته، وأنه مهما قدر من الممكنات فهو عدل، حتى تعذيب الأنبياء والصالحين، وتنعيم الكفار والفاسقين، إلى أمثال هذه الأمور التي خاض فيها الناس في القدر، وكانت من أعظم أسباب الجهل والظلم.

وكان أعظم ظهور ذلك من أهل البصرة الذين خطبهم ابن عباس، وكذلك أمر أطفال المشركين: طائفة يقولون: يعذبهم كلهم، أو يمكن تعذيبهم كلهم، بناءً على المشيئة المرجحة بلا سبب ولا حكمة ولا رحمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>