والمعلوم من الكتاب والسنة لا يعارض إلا بما يصلح أن يعارض به.
ومن قال بالأول يقول: إن الله تعالى لم يأمر أن يعاقب أحد بما يعلم أنه يكون منه قبل أن يكون منه، ولا هو سبحانه يعاقب العباد بما يعلم أنهم سيعماونه حتى يفعلوه.
ويقول قائل هذا القول: إنه ليس في قصة الخضر شيء من الاطلاع على الغيب الذي لا يعلمه عموم الناس، وإنما فيها علمه بأسباب لم يكن علم بها موسى، مثل علمه بأن السفينة لمساكين ووراءهم ملك ظالم، وهذا أمر يعلمه غيره.
وكذلك كون الجدار كان لغلامين يتيمين، وأن أباهما كان رجلاً صالحاً، هذا مما قد يعلمها كثير من الناس، فكذلك كفر الصبي مما يمكن أنه كان يعلمه كثير من الناس حتى أبواه، لكن لحبهما له لا ينكران عليه، أو لا يقبل منهما الإنكار عليه.
فإن كان الأمر على ذلك، فليس في الآية حجة أصلاً، وإن كان ذلك الغلام لم يكفر بعد أصلاً، ولكن سبق في العلم أنه إذا بلغ كفر.
فهذا أيضاً يبين أنه قتل قبل أن يصير كافراً، ومن قال هذا يقول: إنه قتل دفعاً لشره.
كما قال نوح:{رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا * إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا}