للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر لا يطيعه، لم يمنع ذلك أن يفعل ما يفعل، ويأمر بما يأمر به، لأن نفس ذلك الفعل وذلك الأمر مصلحة له، وهذا موجود في المخلوق والخالق، فإن المخلوق - كالرسول وغيره - يأمر وينهي، وإن كان يعلم أنه لا يطاع، لأن نفس أمره لهم، له فيه مصلحة ومنفعة وثواب، وفيه حكمة في حق المأمور والمنهي.

وكذلك يفعل ما يفعل لمصالح الناس، وإن علم أنهم لا يفعلون ذلك، إذا كان له في ذلك أجراً ومثوبة ومصالح أخرى، فإنه إذا كان بعض الناس يصلى في المسجد، وبعضهم لا يصلي فيه، قامت حجته على من لا يصل واستحق العقوبة، وكان قد أزاح عن نفسه العلة، بأن يقال: لم يبن لهم مسجداً يصلون فيه.

والخالق تعالى أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأنذر العباد، وأزاح عللهم، وفعل لهم من الأسباب التي بها يتمكنون من الطاعة، أعظم مما يفعله كل آمر غيره بالمأمورين، فليس أحد أزاح علل المأمورين أعظم من الله، فلا تقوم حجة آمر على مأمور، إلا وحجة الله على عباده أقوام، ولا يستحق مأمور من آمره ذماً ولاعقاباً لمعصيته إلا واستحقاق عصاة الله لأمره أعظم استحقاقاً وذماً، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين، ولا ييسر أمر على مأموريه ويرفع عنهم ما لا يطيقونه، إلا والله تعالى أعظم تيسيراً على مأموريه وأعظم رفعاً لما لا يطيقونه عنهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>