للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والشريعة طافحة بهذا وأمثاله، وهو سبحانه مع ذلك هو رب كل شيء ومليكه وخالقه، فلا يكون شيء إلا بمشيئته وقدرته، وهو سبحانه محسن متفضل إلى من أمرهم ونهاهم بقدر زائد لا يقدر عليه، ولا يفعله غيره، وهو أن جعلهم مؤمنين مسلمين مطيعين، وهذا لا يقدر عليه غيره من الآمرين الناهين، وهو في ذلك محسن إليهم منعم عليهم نعمة ثانية، غير نعمته بالإرسال والبيان والإنذار، فهذه نعمة يختصمون بها غير النعمة المشتركة.

وأما الكفار فلم ينعم عليهم بمثل ما أنعم به على المؤمنين، ومن لم ينعم ويحسن بمثل ذلك، لم يكن قد أساء وظلم مع الإقدار والتمكين وإزاحة العلل، إذا كان له في ترك ذلك حكمة بالغة، لو فعل بهم مثلما فعل بالأولين، بطلت تلك الحكمة التي هي أعظم من طاعتهم، وحصلت مفسدة أعظم من مفسدة معصيتهم.

فمن وجه ليس ذلك بواجب عليه لهم، ومن وجه له في ذلك حكمة بالغة لا تجتمع هي ومساواتهم بأولئك، فتقتضي الحكمة ترجيح خير الخيرين، بتفويت أدناهما، ودفع شر الشرين بالتزام أدناهما.

وقول القائل: كيف يفعل فعلاً لغاية مع علمه أنها لا تحصل؟

جوابه: أن ذلك إنما يمتنع إذا كان ليس مراده إلا تلك الغاية فقط،

<<  <  ج: ص:  >  >>