وكما قال من جعل المرجح هو الإرادة: إن الإرادة اقتضت ترجيح ذلك المقدور على غيره، ولا يمكن أن يقال: الإرادة لماذا رجحت ذلك الشيء على غيره؟ لأنه لو رجحت غيره عليه كان هذا السؤال عائداً، وعلى هذا التقدير يلزم أن كون الإرادة مرجحة معلل بعلة أخرى، وذلك محال، لأن كون الإرادة مرجحة صفة نفسية لها، كما أن كون العلم بحيث يعلم به المعلوم صفة نفسية له، وذلك أمر ذاتي له، ولما استحال تعليل الصفات الذاتية استحال تعليل كون الإرادة مرجحة.
قال: وهذا الجواب باطل أيضاً، لأنا لا نعلل أصل كون الإرادة مرجحة، وإنما نعلل كونها مرجحة لهذا الشيء على ضده، ولا يلزم من تعليل خصوص المرجحية، تعليل أصل المرجحية، ألا ترى أن الممكن لما دار بين الوجود والعدم فإنا نحكم أنه لا يترجح أحد طرفيه إلا بمرجح، ولا يكون تعليل ذلك تعليلاً لأصل كونه ممكناً، فكذلك ههنا.
قلت: نظير هذا قول من يقول من القدرية المعتزلة الشيعة ونحوهم: إن الله تعالى جعل العبد مختاراً، وخلقه مختاراً، إن شاء اختار هذا الفعل، وإن شاء اختار هذا الفعل، فهو يختار أحدهما باختياره.
فيقال لهم: هو جعله أهلاً للاختيار، وقابلاً للاختيار، وجائزاً منه الاختيار، وممكناً منه الاختيار، ونحو ذلك، أو جعله مختاراً لهذا الفعل على هذا؟.