منها والصحيح، فإذا نظر إلى المصنوعات التي لا سبيل للخلق إلى مثلها، ويعجز كل فاعل عنها، وتحقق بصحة التمييز المركب فيه - إذا أراد الله هدايته - أن المحدثات لا تصنع نفسها، علم أنها مفتقرة إلى صانع، غير أنه لا يعرف من هو قبل ورود السمع، فإذا ورد السمع بأن الصانع هو الله قبله العقل، ووقع له فهم في السمع، وتحقق صحة الخبر، وعرف الله من ناحية السمع، لا من ناحية العقل، لأن العقل بمجرده لا يعلم من الصانع قط، وأكثر ما في بابه أن يقع به التمييز، فيبقى أن يفعل الجماد نفسه، ويقتضي بالشاهد على الغائب، فأما أن يعرف من الصانع فمحال إلا من جهة السمع) .
قال: (والدليل على صحة اعتبارنا أن الله خاطب العقلاء بالاعتبار، فقال {فاعتبروا يا أولي الأبصار} يعني البصائر.
وقال:{إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} أي عقل.
وقال:{ليتذكر أولو الألباب} ، فأمرهم باعتبار ما جعل لهم سبيلاً إلى اعتباره دون غيره.
ثم الدليل القاهر هو القاضي بصحة ما ذكرت: أن الله عز وجل حجب عن الخلق - من الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين وسائر الخلق أجمعين - معرفة ما هو، ولم يجعل لهم طريقاً إلى علم مائيته، ولا سبيل إلى إدراك كيفيته، جل أن يدرك أو يحاط به علماً، وتعالى علواً كبيراً:{ولا يحيطون به علما} ، فمنع من أحاطة العلم به، فلا سبيل لأحد إليه.