قال:(والجواب أن للحسن والقبح أصلاً في بدائه العقول، وهو علمنا بحسن شكر المنعم، والإنصاف، والعدل، وقبح الكذب، والجور، والظلم.
ومنكر ذلك مكابر لكافة العقلاء.
إلا أن من العقلاء من قال: لا أعرف ذلك بضرورة العقل، وإنما أعرفه بالنظر والخبر.
فذلك مقر بالحسن والقبح، ومدع غير طريق الجماعة فيه، فنتكلم في ذلك ونبين له أن الجاهلية وعبدة الأصنام ومن لم تبلغه الدعوة يعلم ذلك، كما يعلمه أهل الأديان، فسقط أن يكون طريقه إلا العقل.
وعلى أن القدم والحدوث لهما أصل في بدائه العقول ثم الخلف في ذلك واقع.
ولا يقال: إن مخالفنا مكابر عقله.
واحتج بأنه أجمع القائلون بأن في العقل إلزاماً وحظراً، على أنه لا يلزم ولا يحظر إلا بتنبيه يرد عليه، فإذا ثبت هذا، قلنا: يجب أن يكون ذلك التنبيه بخبر الشرع لا الخواطر، لأن الخواطر يجوز أن تكون من الملك ومن الشيطان ومن ثوران المرة، وما أشبه ذلك.
وإذا جاز ذلك فيها لم نلتفت إلى تنبيهها، والتفتنا إلى ما تؤثر به، وهو خبر الشرع.
فإذا عدم خبر الشرع ثبت أنه لا إلزام ولا حظر في ذلك) .
وقال: (والجواب أنه لا بد أن ينبه على معرفة حسن الشكر بخطور النعمة بباله من منعم قصد الإحسان إليه، فإنه إذا خطر له نعمه عليه - على ما ذكرنا - ألزمه عقله الشكر لا محالة، سواء نبه على ذلك وسوسة إو إلهام.
ولذلك مهما خطر بباله كفران النعمة عرف قبحة.
ومهما خطر بباله أن القبيح لا يبعد أن يكون سبباً لهلاكه وعقابه، وأن يكون ضده سبباً