فإن المفعول لا بد أن يتعلق به الفاعل، وهم لا يسلمون ذلك، فإن من أصولهم أن المقارن للحادث حادث.
قلت: من أصولهم التي تلقوها عن المعتزلة أن ما لا يسبق الحوادث فهو حادث، وهذا متفق عليه بين العقلاء إلا إذا أريد به الحادث بالشخص، فإن ما لا يسبق الحادث المعين يجب أن يكون حادثاً، وأما ما لا يسبق نوع الحادث فهو محل النزاع بين الناس وعليه ينبني هذا الدليل.
وكثير من الناس لايميز في هذا المقام بين ما هو بعينه حادث، وما تكون آحاد نوعه حادثة والنوع لم يزل، حتى أن كثيراً من أهل الكلام إذا رأوا أن الحركات حادثة، أو غيرها من الأعراض، اعتقدوا أن ما لا يسبق ذلك فهو حادث، ولم يميزوا بين ما لا يسبق الحادث المعين، وما لا يسبق النوع الدائم الذي آحاده حادثة، فهو لا يسبق النوع وإن سبق كل واحد واحد من آحاده.
ولما تفطن كثير من أهل الكلام للفرق، أرادوا أن يثبتوا امتناع حوادث لا تتناهى بطريق التطبيق وما يشبهه، كما قد ذكر ذلك في موضعه.
فهم لايسلمون وجود حوادث لا أول لها عن فاعل قديم، ويسلمون وجود فعل حادث العين عن فاعل قديم.
وهو يقول: الحادث يجب أن يكون وجوده متعلقاً بفعل حادث، ثم ذلك الحادث متعلق بفعل حادث، فيكون فعل حادث الأفراد دائم النوع عن فاعل قديم.