فيقال: الفرق معلوم بين قولنا: جميع الحوادث لها أول، بمعنى: أن كل واحد منها له أول، وبين قولنا: إن جنس الحوادث لها أول، بمعنى: أن الحوادث منقطعة غير دائمة ولا مستمرة، ولا متسلسلة، فإن العقل يتصور أن كل واحد له أول وآخر، وهي مع ذلك دائمة مستمرة، فيمكنه الحكم بأن كل حادث له أول، كما أن كل زنجي أسود.
وهو بعد ذلك لم يعلم: هل هي دائمة أم هي منقطعة؟
بل العلم بكون الحادث له أول، هو العلم بأنه مسبوق بعدم، وليس العلم بأن كل حادث هو مسبوق بعدم، هو العلم بأنه كان العدم مستمراً دائماً، حتى حدث جنس الحوادث، بل يمكن العقل أن يتصور أنه ما من حادث إلا وقبله حادث، وبعده حادث، وما من عدد إلا وبعده عدد. وهو يعلم أن كل حادث فله أول، وكل نقص فله آخر، وكل عدد فله حد ومنتهى، وإن لم يكن لجنس العدد حد ومنتهى.
ومما يبين ذلك الفرق: أن كون الشخص أسود وأبيض صفة قائمة به في حال وجوده، فلا يمكن انتفاؤها عن الجنس الموجود، مع قولنا: إن كلاً منهم أسود. وأما أن كون الشيء حادثاً، أو مسبوقاً بعدم، أو موجوداً