للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: وذلك أنه لم يزل، ولا وجود ولا قوام للفلك ولسائر الأجسام الطبيعية إلا بالمبدأ الأول، يعني المحرك الأول، إذ صورة كل واحد منها هي حركته الخاصة به، وحركته الخاصة به هي المقومة لجوهره، التي بارتفاعها يرتفع وجوده.

فإذن المحرك الأول علة وجود هذه الحركة.

قال: فهذا هو الأفضل من أن تكون العلة الأولى علة وجود العالم في زمان.

فيقال له: أنت لم تذكر إلا أنه لا وجود للجسم المتحرك إلا بحركته، وهذا إذا سلم لك لم يدل على أنه مبدع وفاعل له أصلاً، بل ولا يثبت أن له غاية منفصلة عنه، بل ادعيت ذلك دعوى.

نعم: إذا ثبت أن الحركة إرادية فلا بد لها من مراد، أما أن كون المراد منفصلاً عن المتحرك أو غير منفصل، فهذا يحتاج إلى دليل ثان ولم تبينه، ثم إذا بينته يلزم افتقار المتحركات إليه، وكونه شرطاً في وجودها لا يقتضي كونه مبدعاً لها وفاعلاً لها، إذ مجرد العلة الغائية من هذه الجهة، لا تكون هي الفاعلة المبدعة بالضرورة وواتفاق العقلاء، وهم لم يدعوا ذلك.

لكن لو قال قائل غيرهم بجواز أن يكون الأول غاية وفاعلاً، قلنا: نعم، لكن هذا ينقض ما بنوه من حيث يكون فاعلاً للحوادث مبدعاً لها، وهم يأبون ذلك، حيث يكون فيه جهتان: جهة كونه مراداً محبوباً، وجهة كونه فاعلاً مبدعاً.

وهذا إذا قيل: إنه حق، أفسد أصولهم ومذهبهم.

والمسلمون لا ينكرون أن يكون الله رب كل شيء وإلهه، فهو من

<<  <  ج: ص:  >  >>