وإما إثبات الأسباب التي لا تستقل بالأثر، بل تفتقر إلى مشارك معاون، وانتفاء معارض مانع، وجعلها مخلوقة لله -فهذا هو الواقع الذي أخبر به القرآن، ودل عليه العيان والبرهان.
وهو من دلائل التوحيد وآياته، ليس من الشرك بسبيل، فإن ذلك مما يبين أنه ليس في المخلوقات ما يستقل بمفعول من المفعولات.
والمقصود هنا أن هؤلاء اعتقدوا أن قوله:{لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}[الأنبياء: ٢٢] ، إنما يدل على نفي الشركة في الربوبية، وهو أنه ليس للعالم خالقان، ثم صار كل منهما يذكر طريقاً في ذلك.
فهذا الفيلسوف ابن رشد قرر هذا التوحيد كما تقدم.
قال: وأما قوله تعالى: {إذا لذهب كل إله بما خلق}[المؤمنون: ٩١] ، فهذا رد منه على من يضع آلهة كثيرة مختلفة الأفعال، وذلك أنه يعقل في الآلهة المختلفة الأفعال، التي لا يكون بعضها مطيعاً لبعض، أن لا يكون عنها موجود واحد، بل موجودات كثيرة، فكان يكون العالم أكثر من واحد، وهو معنى قوله:{إذا لذهب كل إله بما خلق}[المؤمنون: ٩١] ، ولما كان العالم واحداً، وجب أن لا يكون موجوداً عن آلهة كثيرة متفننة الأفعال.
قلت: لما قرر أولاً امتناع ربين فعلهما واحد، قرر امتناع أرباب تختلف