وما ذكره ابن رشد عنهم من أنهم يرون أن العلم سبب الإنذار بالجزئيات.
فيقال: أما الفلسفة الموجودة في كتب ابن سينا وأمثاله، ففيها أن ذلك من العقل الفعال والنفس الفلكية، وعندهم ذلك هو المنذر بذلك، ويسمون ذلك اللوح المحفوظ، ومن ذلك ينزل عندهم الوحي على الأنبياء، ومن ذلك كلم موسى.
وكثير من المتصوفة الذين سلكوا مسلكهم قد دخل ذلك في كلامهم.
فإن كان فريق غير هؤلاء المتفلسفة يجعله ذلك من علم الله، فلا ريب أن من جعل الله منذراً لعباده بالجزئيات، لزم أن يكون عالماً بها، فإن الإعلام بالشيء فرع على العلم به، وهذا ما يثبت القول الثالث المحكي عنهم.
وذكر أبو البركات في معتبره الأقوال الثلاثة: قول من قال: لا يعلم إلا ذاته، وذكره عن أرسطو، وذكر ألفاظه.
وابن رشد هو يعظم أرسطو إلى الغاية، وهو من أعظم الفلاسفة عنده، فكيف ينفي هذا القول عنهم؟!
وذكر أبو البركات قول ابن سينا، وذكر عنهم القول الثالث، وهو أنه يعرف ذاته وسائر مخلوقاته في سائر الأوقات، على اختلاف الحالات، مما هو كائن، وما هو آت.
وهذا القول ينزع إلى قولين: أحدهما: القول الذي اختاره ابن رشد، الذي قربه من التغير، ولم يجب عنه، والثاني التزام هذا اللازم، وبيان أنه ليس بمحذور.