وأكمل، فكيف تكون القدرة على الفعل والعقل للأشياء الخسيسة كمالاً؟ ولا يكون خروج القوة في الفعل، ونفس فعلها وعقلها كمالاً؟
ولكن يقال: ما كان يمتنع وجوده أزلياً، ولا يمكن أن يوجد إلا حادثاً، ليس الكمال إلا في إحداثه، ولا في فعله في الأزل، وإذا قدر أن علمه موجود لا يمكن تحققه إلا بعد وجوده، كان أن يعلم موجوداً بعد وجوده، أكمل من أن لا يعلم موجوداً، وإن علم أنه سيوجد.
وأما قول أبي البركات: ما كمل بفعله وعقله، بل فعل وعقل بكماله فهو صحيح، إذا أريد بالكمال ما هو أزلي للذات، لا يمكن تجدد شيء من أفراده، كما لا يتجدد نوعه.
وأما إذا أريد بالكمال ما يتضمن جميع ما يمكن وجوده من الكمال على الوجه الذي يمكن.
فيقال: كماله بنفسه وذاته، ونفسه تتضمن ما يقوم به من صفاته وأفعاله، فلم يكمل بشيء مباين له.
وما كان داخلاً في مسمى اسمه فليس هو مبايناً له، ولا يطلق القول عليه بأنه مغاير له.
وحينئذ فكماله بذلك مثل كماله بذاته وصفاته اللازمة، وما كان حدوثه حيث تقتضي الحكمة حدوثه على الوجه الممكن، فهو كمال في ذلك الوقت، لا كمال في غيره، وذلك إنما حصل بنفسه ولها، لم يحصل بغيره ولا لغيره.