وأبدعها هي نفس علمه به، وإذا سمي العلم صورة عقلية، فليس هذا هو ذاك.
وإذا قيل: إن عقل العاقل للصورة الموجودة، لا يكون إلا بصورة عقلية، لم نقل: إن الصورة العقلية لها صورة أخرى.
ولكن للناس هنا نزاع.
وهو أن العلم بالعلم هل يحصل بالعلم أم لا بد من علم ثان؟ وكذلك العلم الثاني هل يفتقر إلى ثالث؟ فمن أثبت ذاك بطلت الحجة على قوله.
ومن نفي ذاك، قال: العلم يعلم به غيره، فلأن يعلم هو بنفسه بطريق الأولى، كالنور الذي يرى به غيره، ويرى هو بنفسه، فلا يلزم إذا احتاج ما ليس بعلم إلى صورة عقلية، أن يحتاج نفس العلم إلى صورة عقلية غير العلم، بل من علم شيئاً علماً تاماً، علم أنه عالم.
ومن نصر القول الأول يقول: قد يعلم المعلوم ويذهل عن كونه عالماً به.
فإن قيل: هذا لا يتصور في حق الله تعالى، فإنه يعلم المخلوقات، ويعلم أنه عالم بها، فإذا كان العلم بكونه عالماً، ليس هو العلم بالمعلوم المنفصل، لزم وجود علوم لا تتناهى.
وهذا هو الذي احتج به الطوسي.
فيقال: علمه بنفسه يوجب كونه عالماً بصفاتها، ومن صفاتها كونه عالماً بهذا وهذا، فعلمه بنفسه يتضمن العلم بكونه عالماً بالمعلومات، وهذا العلم ليس هو العلم بالمعلومات المخلوقات، لكن هو مستلزم له، فعلمه تعالى بنفسه مستلزم للعلم بجميع صفاته، يمتنع وجود أحدهما دون الآخر،