ومنها أن الأول الواجب لم يثبتوا له علماً محققاً بجزئيات المخلوقات، بل ولا بكلياتها، فكيف يستفاد من العلم بنفسه العلم بتفاصيلها، وهو عندهم لا يعلم تفاصيلها؟ فإذا لم يستفد العلم بتفاصيلها إلا من العلم به لكونه مبدأً امتنع ذلك.
ومنها أن يقال: حصول جميع صور الموجودات الجزئية والكلية على ما هي عليه: إن كان صفة الكمال، فالرب أحق بها من مخلوقاته.
وإن كان صفة نقص، فلا موجب لوصف العقول بها.
فإن قلتم: أثبتناها للعقول لتعلم جميع الأشياء.
قيل: إن كان العلم بجميع الأشياء يمكن بدون حصول صورها في العالم، أمكن ذلك في العقل، كما أمكن في الأول.
وإن لم يمكن ذلك، وجب إثباتها للأول، وكان أحق بذلك من مفعوله.
فإن الأول إذا كان علمه بالمخلوق نفس المخلوق، كان علم العقل به يفيده العلم بالمخلوق، من غير قيام صورة المخلوق عنده، بل يكفيه ارتسام صورة المخلوق.
ومنها: أن يقال: إذا كان العقل المعلول إنما يستفيد علمه بالموجودات من علمه بالأول، وهي ليست متصورة في ذات الأول، فكيف يتصور في ذات العقل ما لم يتصور في ذات معلومة؟ وكيف يكون الفرع أكمل من أصله؟.
فإن قيل: علمه بالأول ومعلولاته يوجب الارتسام، فاستفاد ذلك من علمه بوجوده، لا من علمه بعلمه.