ونفي هذين هو الذي أوقع نفاة العلم في نفيه، فإنهم رأوا إثبات العلم لا يمكن إلا مع إثبات الصفات اللازمة والأحوال العارضة، وظنوا وجوب نفي هذين.
وإذا كان العلم مستلزماً لهذين، فلازم الحق حق، لا سيما ومهما قدر من توهم تنزيه وتعظيم في نفي لوازم العلم -لأن ثبوت العلم مستلزم ما يظن نقصاً من تجسيم وحلول حوادث وغير ذلك- فنفي العلم فيه من النقص والعيب ما هو أحق بتنزيه عنه من لوازم العلم، ونفي ما يناقض العلم هو أولى بالنفي، من نفي لوازم العلم.
والأدلة العقلية الصريحة، مع النقلية الصحيحة، إنما تدل على إثبات العلم ولوازمه، لا يدل شيء منها على نقيض ذلك، بل كل ما يظن من لوازم العلم أنه منفي بدليل العقل، يوجب ثبوته لا نفيه، ولكن هم استسلفوا مقدمات باطلة ظنوها عقلية، واحتاجوا إلى القول بلوازمها، فألجأهم ذلك إلى الأقوال الباطلة المخالفة لصريح العقول وصحيح المنقول، مع أنها من أعظم الفرية على رب العالمين، وأعظم الجهل بما هو عليه سبحانه من نعوت الكمال.
دع ما في ذلك من تكذيب رسله، والإلحاد في أسمائه وآياته.
والمقدمات الفاسدة التي بنوا عليها أقوالهم هي نفيهم صفاته سبحانه، وظنهم أنه لا تقوم به المعاني، وإن كانت قديمة النوع أو العين، ولهذا كان من تكلم منهم مع التزام هذا الأصل، فكلامه ظاهر البطلان، مع ما فيه من التناقض.