يدعونه، لكن شعور الشيء بنفسه ليس مشروطاً بكونه مجرداً، ولا مجرد كونه مجرداً موجب للعلم بنفسه، فإنه إن قدر أن المجرد ليس بحي، لم يكن شاعراً، فضلاً عن أن يعلم أنه عالم.
وإذا قيل: كل مجرد حي.
قيل: فلا بد أن يقال هذا بالدليل، فإن هذا ليس معلوماً بنفسه.
وأيضاً فكل حي شاعر، سواء قيل: إنه مجرد، أو قيل: إنه ليس بمجرد.
فبدن الإنسان يشعر بأمور كثيرة، مع كونه جسماً غير مجرد عن المادة على اصطلاحهم.
وأما ما اعترض به على قولهم: إن وجوده بالأشياء عن علمه بها، وأن هذا يوجب كون الأشياء معلومة له قبل وجودها، فتكون ثابتة في علمه، وهي أشياء في علمه، فيلزم كون علمه أمراً ثبوتياً، ويلزم التعدد في علمه -فاعتراض متوجه.
وكذلك إذا فسروا العلم بعدم الغيبة عنها، فعدم الغيبة لا يكون إلا بعد تحققها، فيلزم أن يكون عالماً بها بعد تحققها، وأن ذلك مغاير لعلمه بها قبل وجودها، فإن ذلك العلم سبب وجودها بخلاف الثاني.
وكذلك قوله: كما أن معلوله غير ذاته، فالعلم به غير العلم بذاته.
وهذا لازم، لأنهم إنما نفوا كون العلم ثبوتياً لما يستلزم من تكثر العلوم وتغيرها، إذ كان العلم بهذا غير العلم بهذا.