فالمعرفة به بدون معرفة لازمة ممتنعة، وإنما تقع الشبهة في هذا الموضع، لظن الظان أن التصور الناقص معرفة به، وليس كذلك، فإن الشعور مراتب، وقد يشعر الإنسان بالشيء ولا يشعر بغالب لوازمه، ثم قد يشعر ببعض اللوازم دون بعض.
ونحن لا نعرف شيئاً من الأشياء على الوجه التام، بل لو علمنا شيئاً على الوجه التام، لعلمنا لوازمه ولوازم لوازمه، فلا يكون علمنا بشيء من الأشياء مماثلاً لعلم الرب.
ولهذا لما تكلم الناس في دلالة المطابقة والتضمن والالتزام، فاعتبر بعضهم اللزوم مطلقاً، واعتبر بعضهم اللزوم الذهني، قالوا: لأن اللزوم الخارجي لا نهاية له، لأن للازم لازماً، وللازم لازماً فلفظ البيت إذا جل على الحيطان والأرض والسقف بالمطابقة، وعلى بعض ذلك بالتضمن، فهو مستلزم للأساس، ولأساس الأساس وللصانع، ولأب الصانع، ولأب أبيه، ولصانع الآلات، وأمور أخر، فيجب اعتبار اللزوم الذهني.
فيقال لهم: اللزوم الذهني ليس له ضابط، فإنه قد يخطر لهذا من اللوازم، ما لا يخطر لهذا.
فإن قلتم: كل ما خطر للمستمع لزومه، فقد دل اللفظ عليه باللزوم، وإلا فلا.
قيل لهم: فحينئذ يخطر له لزوم هذا، ثم لزوم هذا ويلزم ما ذكرتم من التسلسل، فلا فرق.