قلت: ما ذكره الغزالي من الاستدلال بالإحداث على العلم، طريق صحيح يوصل إلى تقرير أنه بكل شيء عليم.
لكن الطرق إلى ذلك كثيرة متعددة، لم تنحصر في هذه الطريق، لا سيما إذا أريد تقرير حدوث العالم بحدوث الأجسام، وامتناع حوادث لا أول لها، كما سلكه.
فإن هذه الطريق مبتدعة في الإسلام باتفاق علماء الإسلام، وهي باطلة عند أئمة الإسلام وجمهور العقلاء، والعلم بكون الرب مريداً لا يقف على هذه الطريق، بل ولا على العلم بحدوث الأجسام، بل يكفي في ذلك مجرد العلم بأنه فاعل، حتى أن كثيراً من الفلاسفة القائلين بقدم العالم، يقول: إنه مريد، وإنه عالم بالجزئيات، كما ذهب إلى ذلك من ذهب إليه من الفلاسفة، وهو الذي نصره أبو البركات، فهؤلاء يثبتون العلم بطريق الإرادة.
وأما المسلمون، الذين يقولون: إن كل ما سوى الله مخلوق، فأئمتهم وجمهورهم لا يثبتون ذلك بامتناع حوادث لا أول لها، كما سلكه الجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم، بل هذا من الكلام المذموم عند السلف والأئمة.
وأيضاً فالرب إذا عرف أنه علام بمخلوقاته، لأنه خلقهم بإرادته، علم أنه إذا كان عالماً بكل ما سواه، فعلمه بنفسه أولى، فإن هذه المقدمة لا تحتاج إلى توسيط كونه حياً، وإن كان ذلك طريقاً صحيحاً، وإن كانت الحياة شرطاً في كونه عالماً، لكن ليس كل ما كان شرطاً في الوجود، كان العلم به شرطاً في الاستدلال، فإنه من علم أن الله يعلم كل ما سواه، ثم نظر: هل يعلم نفسه أم لا؟ علم أن علمه بنفسه أولى من