شخص، وكذلك من غرضه أن يستفتي من يفتيه بحكم الله، ومن غرضه أن يحاكم خصمه إلى من يحكم بينهما بالحق، وأمثال ذلك.
فهؤلاء قصدهم ابتدأ أمراً مطلقاً كلياً، ليس غرضهم شخصاً بعينه، لكن لا يحصل مقصودهم إلا إذا قصدوا شيئاً معيناً، وإلا فما دامت ليس معهم إلا الإرادة المطلقة، لا يفعلون شيئاً، إذ المطلق لا وجود له في الأعيان، فلا يمكن وجود كلي في الخارج مع كونه كلياً قط، فمن لم يعلم إلا الكليات، لم يمكنه أن يفعل شيئاً قط، ولا يكون عالماً بشيء من الموجودات، فإن الموجودات في الخارج ليس فيها كلي.
فعلى قول هؤلاء لم يعلم الله شيئاً من الموجودات، بل ولا فعل شيئاً من الموجودات.
وهذا أمر قطعي لا حيلة فيه، كلما تدبره العاقل تبين له فساد هذا القول.
وما استثناه ابن سينا من كونه يعلم الموجودات الثابتة بأعيانها، لا يصح استثناؤها، فإن تلك أيضاً حادثة على القول الحق، ويلحقها التغير كما يلحق غيرها، فيجب أذا لم يعلم إلا الكليات أن لا يعلمها، وعلى قول أولهم إنها أزلية أبدية، فهي مستلزمة للتغيرات، أما الأجسام فإنها لا تزال متحركة، وأما المعقول فلا حقيقة لها، وبتقدير ثبوتها فإنها علل الأجسام المتغيرة عندهم.
وقد تقدم أصله: أن العلم بالعلة يوجب العلم بالمعلول، فالعلم بالعلل إنما يوجب العلم بمعلولها، والعلة أوجبت معلولات جزئية متغيرة،