ولما كان ابن رشد هذا يعتقد في الباطن ما يعتقده من مقالات المتفلسفة، كانت غايته فيما أثبته من كلام الله، هو من جنس الإعلام العام، الذي يشترك فيه نوع الإنسان.
ولهذا كانت اليهود والنصارى أعظم إيماناً بالله وأنبيائه ودينه وبالآخرة من الفلاسفة، لكن في اليهود والنصارى من يسلك مسلك هؤلاء المتفلسفة، فيجتمع فيه الضلالان.
واليهود والنصارى آمنوا ببعض ما أنزل الله وكفروا ببعض.
كما قال تعالى:{إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا * أولئك هم الكافرون حقا}[النساء: ١٥٠-١٥١] .
لكن أولئك آمنوا ببعض الكتب والرسل وكفروا ببعض، وهؤلاء المتفلسفة قد يقرون بجميع الأنبياء والكتب، لكن هم في إيمانهم بجنس الأنبياء والكتب، يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، فخيارهم يؤمنون بدرجة من درجات إعلام الله وإيحائه إلى عباده، كما ذكر ابن سينا وابن رشد وأمثالهما، ولا يؤمنون بما فوق ذلك.
وكذلك فيما أخبرت به الرسل من الغيب: يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض.
وكذلك فيما أمروا به، فهم يؤمنون ببعض نوع الرسالة ويكفرون ببعض.
ولهذا قد يكون اليهود والنصارى خيراً منهم، وقد يكون خيارهم أقرب إلى الإسلام من اليهود والنصارى من بعض الوجوه، ويكونون