الكلام الحقيقي لله، وما أكثر تكليمه بكلام حقيقي لآحاد الناس! كما كلم موسى بن عمران النجي المقرب المخصوص بالتكليم.
وأيضاً قوله تعالى:{وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب}[الشورى: ٥١] ، يقتضي أن التكليم من وراء حجاب نوع غير الوحي، وأن المكلم بذلك محجوب أن يرى الله، لأن التكليم المسموع قد يكون مع رؤية المستمع للمتكلم، وقد يكون مع كونه محجوباً عنه، بخلاف الوحي، فإنه يقع في قلبه، فلا يحتاج أن يجعل نوعين.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:«ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه حاجب ولا ترجمان» ، فلو كان الكلام المسموع هو شيئاً قائماً بالمستمع، لا وجود له في الخارج، لكان من جنس الوحي الذي لا يحسن أن يقال معه: من وراء حجاب، فإن صاحب هذا لم يسمع شيئاً منفصلاً عنه، يمكن مشاهدة المتكلم به تارة، وحجب المستمع عنه أخرى.
والكلام على هذا مبسوط في موضعه.
والمقصود هنا التنبيه على ما تعرف به الأقوال الموافقة للقرآن والمخالفة له، فإن هذا الباب خاض فيه طوائف من الناس.
وأكثر الناس يسمعون كلام هذا وهذا، ولا يعرفون حقائق الأقوال ومراتبها في القرب من الحق والبعد منه.