فهذا كما يقال في المثل السائر: رمتني بدائها وانسلت، ولا يستريب عاقل نظر في كلام الفلاسفة في الإلهيات، ونظر في كلام أي صنف قدر من أصناف اليهود والنصارى فضلاً عن أصناف المتكلمين من المسلمين، أن ما يقوله هؤلاء في الإلهيات أكمل وأصح في العقل مما يقوله المتفلسفة، وأن ما يقولونه في الإلهيات قليل جداً، وهو مع قلته فأدلة المتكلمين خير من أدلتهم بكثير.
وهذه طريقة ابن سينا في إثبات واجب الوجود وصفاته، لا تفيده إلا ما لا نزاع فيه، وهو وجود واجب الوجود.
وأما كونه مغايراً للأفلاك، فإنما بناه على نفي الصفات، وهو مع فساده فدليلهم على نفيه أضعف من دليل المعتزلة.
فهم مع مشاركتهم للمعتزلة في النفي، لا يستدلون إلا بما هو أضعف من دليلهم.
وأما هذا الرجل فإنه تارة يأخذ طريقة متلقاة من الشرع، وتارة طريقة متلقاة عن المتكلمين، وتارة يقول ما يظن أنه قول الفلاسفة، لم يحك عن الفلاسفة في الإلهيات طريقة إقناعية، فضلاً عن طريقة برهانية.
وإذا قدر أنه عنى بالبرهان القياس العقلي المنطقي، فمن المعلوم أن صورة القياس لا تفيد العلم بمواده.
والبرهان إنما يكون برهانه بمواده اليقينية، وإلا فصورته أمر سهل بقدر عليه عامة الناس.
وأهل الكلام لا ينازعون في الصورة الصحيحة.
وهب أن الإنسان عنده ميزان، فإذا لم يكن معه ما يزن به، كان من معه مال لم يزنه،