والناس قد تنازعوا في قوله تعالى:{ويسألونك عن الروح}[الإسراء: ٨٥] : هل المراد به روح ابن آدم، أو ملك من الملائكة، أو غير ذلك؟ على قولين مشهورين.
وبتقدير أن يكون المراد روح الإنسان، فالنص لم يخبر بكيفيتها، لأن الإخبار بالكيفية إنما يكون فيما له نظير يماثله، وليست الروح من جنس ما نشهده من الأعيان، فلا يمكن تعريفنا بكيفيتها، وإن كانت لها كيفية في نفسها.
ثم يقال لهذا الذي أحال على ما قالوه في النفس: من المعلوم أن أعظم برهان لهم في أن النفس ليست جسماً: قولهم: إن العلم يحل فيها، فلو كانت جسماً لا تقسم الحال فيها بانقسامها، فإن الجسم منقسم، والعلم لا ينقسم ولا بعض له.
وقد يفرضون ذلك في العلم بما لا ينقسم، كالعلم بالكليات والمجردات وواجب الوجود.
والعلم بالمعلوم الواحد لا ينقسم، إذ العلم يتبع المعلوم، فإذا لم يكن المعلوم منقسماً، لم يكن العلم منقسماً، فلم يكن محل العلم منقسماً، فلا يكون جسماً.
هذا أعظم ما عندهم من البراهين.
وقد اضطرب الناس في جوابه، كما قد بسط في غير هذا الموضع.
لكن نقول هنا: جوابه من وجوه:
أحدها: أن يقال: قيام العلم بالنفس كقيام الحياة والقدرة والإرادة، والحب والبغض، وسائر الأعراض المشروطة بالحياة.
وهم يسلمون أن هذه الصفات تقوم بالجسم، فما كان جواباً عن قيام هذه الصفات بالنفس، كان جواباً عن قيام العلم.