ومع ذلك فهم لا يحتاجون من العقليات في أصول الدين إلى ما يحتاج إليه المعتزلة، فإن المعتزلة يزعمون أن النبوة لا تتم إلا بقولهم في التوحيد والعدل، فيجعلون التكذيب بالقدر من أصولهم العقلية، وكذلك نفي الصفات.
وأما هؤلاء فالمشهور عندهم أنه إذا رؤيت المعجزة المعتبرة علم بالضرورة أنه تصديق للرسول، وإثبات الصانع أيضاً معلوم بالضرورة أو بمقدمات ضرورية، فالعقليات التي يعلم بها صحة السمع مقدمات قليلة ضرورية، بخلاف المعتزلة فإنهم طولوا المقدمات وجعلوها نظرية، فهم خير من المعتزلة في أصول الدين من وجوه كثيرة، وإن كان المعتزلة خيراً منهم من بعض الوجوه.
وأبو الحسن الأشعري لما رجع عن مذهب المعتزلة سلك طريقة ابن كلاب، ومال إلى أهل السنة والحديث، وانتسب إلى الإمام أحمد، كما قد ذكر ذلك في كتبه كلها، كـ الإبانة والموجز والمقالات وغيرها، وكان مختلطاً بأهل السنة والحديث كاختلاط المتكلم بهم، بمنزلة ابن عقيل عند متأخريهم، لكن الأشعري وأئمة أصحابه أتبع لأصول الإمام أحمد وأمثاله من أئمة السنة من مثل ابن عقيل في كثير من أحواله، وممن اتبع ابن عقيل كـ أبي الفرج ابن الجوزي في كثير من كتبه، وكان القدماء من أصحاب أحمد كـ أبي بكر عبد العزيز وأبي الحسن التميمي وأمثالهما يذكرونه في كتبهم على طريق ذكر الموافق للسنة في الجملة، ويذكرون ماذكره من تناقض المعتزلة، وكان بين التميميين