ثم ملاحدة الباطنية يقولون: إن الرسل أرادو إفهام الناس ما يتخيلونه، وإن لم يكن مطابقاً للخارج، ويجعلون ذلك بمنزلة ما يراه النائم، فتفسير القرآن عندهم يشبه تعبير الرؤيا التي لا يفهم تعبيرها من ظاهرها، كرؤيا يوسف والملك، بخلاف الرؤيا التي يكون ظاهرها مطابقاً لباطنها.
وأما المسلمون من أهل الكلام النفاة فهم وإن كانوا يكفرون من يقول بهذا، فإما أن يتأولوا تأويلات يعلم بالضرورة أن الرسول لم يردها، وإما أن يقولوا: ما ندري ما أراد، فهم إما في جهل بسيط أو مركب، ومدار هؤلاء كلهم على أن العقل عارض ما دلت عليه النصوص.
وقد بين أهل الإثبات أن العقل مطابق موافق لما أخبرت به النصوص، ودلت عليه، لا معارض له، لكن المقصود هنا أن نبين أن القرآن والسنة فيهما من الدلالة على هذا الأصل ما لا يكاد يحصر، فمن له فهم في كتاب الله يستدل بما ذكر من النصوص على ما ترك، ومن عرف حقيقة قول النفاة علم أن القرآن مناقض لذلك مناقضةً لا حيلة لهم فيها، وأن القرآن يثبت ما يقدر الله عليه ويشاؤه من أفعاله التي ليست هي نفس المخلوقات وغير أفعاله.
ولولا ما وقع في كلام الناس من الالتباس والإجمال لما كان يحتاج أن يقال: الأفعال مفعول ليس هو