وهذا النزاع يزول بتنوع القدرة عليه كما تقدم، فإنه غير مقدور القدرة المقارنة للفعل، وإن كان مقدوراً القدرة المصححة للفعل التي هي مناط الأمر والنهي.
وأما النوع الثاني: فكاتفاقهم علي أن العاجز عن الفعل لا يطيقه، كما لا يطيق الأعمي والأقطع والزمن نقط المصحف وكتابته والطيران، فمثل هذا النوع قد اتفقوا علي أنه غير واقع في الشريعة، وإنما نازع في ذلك طائفة من الغلاة المائلين إلي الجبر من أصحاب الأشعري ومن وافقهم من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وإنما تنازعوا في جواز الأمر به عقلاً، حتى نازع بعضهم في الممتنع لذاته، كالجمع بين الضدين والنقيضين: هل يجوز الأمر به من جهة العقل، مع أن ذلك لم يرد في الشريعة؟ ومن غلا فزعم وقوع هذا الضرب في الشريعة ـ كمن يزعم أن أبا لهب كلف بان يؤمن بأنه لا يؤمن ـ فهو مبطل في ذلك عند عامة أهل القبلة من جميع الطوائف، فإنه لم يقل أحد: إن أبا لهب أسمع هذا الخطاب المتضمن أنه لا يؤمن، وإنه أمر مع ذلك بالإيمان كما أن قوم نوح لما أخبر نوح عليه السلام: أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، لم يكن بعد هذا يأمرهم بالإيمان بهذا الخطاب، بل إذا قدر أنه أخبر بصليه النار