وأبداً، ووجود المخلوقات ممكن، والممكن لا يترجح وجوده على عدمه إلا بمرجح، وعند وجود المرجح التام يجب وجوده، لأنه لو لم يجب لكان قابلا للوجود والعدم، فيبقى ممكناً كما كان، فلا يترجح إلا بمرجح تام.
فتبين أن وجود القدرة التي يمكن معها وجود المخلوقات لا يوجد المخلوق مع مجردها، بل لا بد من أمر آخر يفعله الرب.
قال عبد العزيز: وهذا الفعل صفة لله، ليس من المخلوقات المنفصلة عنه، والله يقدر عليه، ولا يمنعه منه مانع، فأما قول القائل:(إن ذلك الفعل الذي لم يكن ثم كان بالقدرة وهو صفة) فإنه يسأل عن سبب حدوثه، كما يسأل عن سبب حدوث المخلوق به.
فيجيب عنه عبد العزيز بأجوبة.
أحدها: الجواب المركب وهو أن يقول: تسلسل الآثار الحادثة إما أن يكون ممكناً وإما أن يكون ممتنعاً، فإن كان ممكناً فلا محذور في التزامه، وإن كان ممتنعاً لم يلزمني ذلك، ولا يلزم من بطلان التسلسل بطلان الفعل الذي لا يكون المخلوق إلا به، فإنا نعلم أن المفعول المنفصل لا يكون إلا بفعل، والمخلوق لا يكون إلا بخلق، قبل العلم بجواز التسلسل أو بطلانه، ولهذا كان كثير من الطوائف يقولون: الخلق غير المخلوق، والفعل غير المفعول، فيثبتون لك مع إبطال التسلسل، مثل كثير من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، ومن الصوفية