وإن أريد بذلك أن الحدوث هو الذي جعل المحدث مفتقراً إلى الفاعل فهذا باطل.
وكذلك الإمكان إذا أريد به أنه دليل على الافتقار إلى المؤثر، أو أنه شرط في الافتقار إلى المؤثر فهذا صحيح.
وإن أريد به أنه جعل نفس الممكن مفتقراً فهذا باطل.
وعلى هذا فلا منافاة بين أن يكون كل من الإمكان والحدوث دليلاً على الافتقار إلى المؤثر، وشرطاً في الافتقار إلى المؤثر.
وإنما النزاع في مسألتين: أحدهما: أن الواجب بغيره هل يصح كونه مفعولاً لمن يقول: الفلك قديم معلول ممكن، فهذا مما ينكره جماهير العقلاء، ويقولون: لا يمكن مقارنته لفاعله أزلاً وأبداً ويقولون: الممكن الذي يقبل الوجود والعدم لا يكون إلا معدوماً تارة وموجوداً أخرى، فنفس المخلوقات مفتقرة إلى الخالق بذاتها، واحتياجها إلى المؤثر أمر ذاتي، لا يحتاج إلى علة، فليس كل حكم ثبت للذوات يحتاج إلى علة، إذ ذلك يفضي إلى تسلسل العلل، وهو باطل باتفاق العلماء، بل من الأحكام ما هو لازم للذوات لايمكن أن يكون مفارقاً للذوات ولا يفتقر إلى علة، وكون كل ما سوى الله فقيراً إليه محتاجاً إليه دائماً هو من هذا الباب.
فالفقر والاحتياج أمر لازم ذاتي لكل ما سوى الله، كما أن الغنى والصمدية أمر لازم لذات الله.
وهنا ينشأ النزاع في المسألة الثانية، وهو أن المحدث المخلوق هل افتقاره إلى الخالق المحدث وقت الإحداث فقط، أو هو دائماً مفتقر إليه؟ على قولين للنظار.
وكثير من أهل الكلام المتلقى عن جهم وأبي الهذيل يقولون: إنه