الأزل، أو لا وجود لشيء منها في الأزل) جوابه: أنه ليس شيء بعينه موجوداً في الأزل، ولكن الجنس لم يزل متعاقباً، وحيئنذ يندفع ما ذكره على التقديرين: أما الأول فإنه قال: لو كان شيء منها موجوداً في الأزل لكان مسبوقاً بالعدم غير مسبوق بالعدم، وهذا إنما يلزم إذا قيل في واحد من الحوادث المتعاقبة: إنه قديم أزلي، وهذا لا يقوله عاقل.
وأما التقدير الثاني: فقوله: (وإن كان الثاني، فقول القائل: العلل والمعلولات المتعاقبة أو غيرها من الحوادث المتعاقبة تكون مسبوقة بالعدم) إنما يلزم إذا قيل: إن جنسها ليس بقديم ولا أزلي، وهذا محل النزاع.
وحقيقة الأمر أن قول القائل:(إما أن يقال بوجود شيء منها في الأزل، أولا وجود لشيء منها في الأزل) معناه: إما أن شيئاً منها قديم أزلي، أو ليس شيء منها قديماً أزلياً.
وهذا اللفظ محتمل، فإن أراد به أن واحداً من الحوادث المتعاقبة يكون قديماً أزلياً، فهذا لا يقولونه وإن أراد أن جنسها لم يزل يحدث شيئاً بعد شيء، وأنه لا أول للجنس، بل الجنس قديم أزلي، فهذا هو الذي يقولون.
وحينئذ فلا يلزم من نفي الأزلية عن واحد نفيها عن الجنس.
وذلك أن معنى الأزل ليس هو شيئاً له ابتداء محدود حتى يقال: هل حصل شيء منها في ذلك المبدأ المحدود؟ بل معنى الأزل هو معنى القدم، ومعناه: ما لا ابتداء لوجوده، ولا يقدر الذهن غايةً إلا كان قبل تلك الغاية، فإذا قال القائل:(هل وجد شيء من هذه الحوادث في الأزل) كان معناه: هل منها قديم لا أول لوجوده لم يزل موجوداً؟
والمثبت لذلك إنما يقول: لم يزل الجنس موجوداً شيئاً بعد شيء، كما يقوله المسلمون وجمهور الناس غيرهم في الأبد، فيقولون: إنه لا يزال جنس الحوادث يحدث شيئاً بعد شيء، فلو قال القائل:(الحوادث المنقضية لا تكون أبدية ولاتكون فيما لا يزال، لأنه إما أن يوجد شيء منها في الأبد، أو لا وجود لشيء منها في الأبد، فإن كان الأول فهو ممتنع، لأن الأبدي لا يكون منقضياً، بل لا يزال موجوداً وإن كان الثاني فجملة المنقضيات ملحوقة بالعدم، وما كان ملحوقاً بالعدم لم يكن أبدياً، لأن الأبدي هو ما لا يلحقه العدم، كما أن الأزلي ما لا يسبقه العدم) كان الجواب عن قول هذا القائل بأن يقال: الأبدي