للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (إنْ طَلَبَهُ خَصْمُهُ) أَيْ طَلَبَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةً فَقَالَ: لَا وَقَالَ فَلَكَ يَمِينُهُ فَقَالَ يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَيْسَ لَك إلَّا هَذَا شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» فَصَارَ الْيَمِينُ حَقًّا لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ قَيَّدَ بِتَحْلِيفِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ حَلَفَ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافِ الْقَاضِي فَذَا لَيْسَ بِتَحْلِيفٍ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ حَقُّ الْقَاضِي فَلَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ وَإِلَّا يَحْلِفُ ثَانِيًا عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا يَحْلِفُ قَبْلَ طَلَبِهِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَّا فِي مَسَائِلَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا رَضِيت بِالْعَيْبِ وَالشَّفِيعُ بِاَللَّهِ مَا أَبْطَلْت شُفْعَتَك وَالْمَرْأَةُ إذَا طَلَبَتْ فَرْضَ النَّفَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ تَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا خَلَّفَ لَك زَوْجُك شَيْئًا وَلَا أَعْطَاك النَّفَقَةَ وَالْمُسْتَحِقُّ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْت وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي بِلَا طَلَبِ الْوَصِيِّ وَالْوَارِثِ (فَإِنْ حَلَفَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ) أَيْ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ فَإِنْ أَقَامَهَا بَعْدَ الْحَلِفِ تُقْبَلُ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ» ؛ وَلِأَنَّ طَلَبَ الْيَمِينِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْبَيِّنَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا غَائِبَةٌ أَوْ حَاضِرَةٌ فِي الْبَلَدِ وَلَمْ تَحْضُرْ؛ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلُ الْبَيِّنَةِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ بَطَلَ حُكْمُ الْحَلِفِ فَلَا عِبْرَةَ لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ بَعْدَ الْيَمِينِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ.

(وَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (مَرَّةً) أَيْ قَالَ لَا أَحْلِفُ (أَوْ سَكَتَ بِلَا آفَةٍ) مِنْ خَرَسٍ أَوْ طَرَشٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ السُّكُوتَ بِلَا آفَةٍ نُكُولٌ حُكْمُهَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي السِّرَاجِ (فَقَضَى) أَيْ قَضَى الْقَاضِي لَهُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ (بِالنُّكُولِ) أَيْ بِسَبَبِ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ (صَحَّ) ذَلِكَ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ دَلَّ كَوْنُهُ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لِأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَتَرَجَّحَ، هَذَا الْجَانِبُ عَلَى جَانِبِ التَّوَرُّعِ فِي نُكُولِهِ (وَعَرَضَ الْيَمِينَ) عَلَيْهِ (ثَلَاثًا) أَنْ يَقُولَ لَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ فَإِنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ (ثُمَّ الْقَضَاءُ) عَلَى تَقْدِيرِ نُكُولِهِ (أَحْوَطُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِنْظَارِ وَلَا عِبْرَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ أَحْلِفُ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِالنُّكُولِ فَلَا يُنْقَضُ بِهِ الْقَضَاءُ وَيُعْتَبَرُ قَوْلُهُ أَحْلِفُ قُبَيْلَ الْحُكْمِ وَلَوْ بَعْدَ الْعَرْضِ ثَلَاثًا وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَاتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِهِ وَبِدُونِهِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

وَفِي الْمُجْتَبَى يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى فَوْرِ النُّكُولِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ الْخَصَّافُ: لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ اسْتَمْهَلَهُ بَعْدَ الْعَرْضِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَلَا بَأْسَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>