للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصَلِّ فِي قبض الْمُشْتَرِي الْمَبِيع بَيْعًا بَاطِلًا بِإِذْنِ بَائِعَة]

فَصَلِّ لَمَّا ذَكَرَ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ وَالْبَاطِلَ ذَكَرَ حُكْمَهُمَا عَقِيبَهُمَا لِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ أَثَرُهُ وَأَثَرُ الشَّيْءِ يَتْبَعُهُ وُجُودًا وَكَذَا يَتْبَعُهُ ذِكْرًا لِلْمُنَاسَبَةِ (قَبْضُ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَيْعًا بَاطِلًا بِإِذْنِ بَائِعِهِ لَا يَمْلِكُهُ) لِانْعِدَامِ الرُّكْنِ وَهُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْمَبِيعُ الْبَاطِلُ لَا يُعَدُّ مَالًا.

وَفِي الْفَرَائِدِ إنَّ قَوْلَهُ (قَبْضُ) لَوْ قُرِئَ عَلَى لَفْظِ الْفِعْلِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ حَرْفُ الشَّرْطِ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ وَلَوْ قُبِضَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُهُ جَوَابَهُ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقْرَأَ مَصْدَرًا مَرْفُوعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ مُضَافًا إلَى الْمُشْتَرِي وَيَكُونُ قَوْلُهُ لَا يَمْلِكُهُ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ مِنْ التَّفْعِيلِ خَبَرَهُ وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ رَاجِعًا إلَى الْمُشْتَرِي وَفَاعِلُهُ الْمُسْتَكِنُّ فِيهِ رَاجِعًا إلَى الْقَبْضِ انْتَهَى لَكِنْ لَا يَخْلُو عَنْ التَّعَسُّفِ فِيهِ وَالْأَوْلَى قَوْلُهُ يَمْلِكُهُ جَوَابُ الشَّرْطِ الْمَحْذُوفِ بِقَرِينَةِ التَّقَابُلِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَلَا قَبْضُ الْمَبِيعِ بَيْعًا بَاطِلًا إلَى آخِرِهِ تَدَبَّرْ (وَهُوَ) أَيْ الْمَبِيعُ (أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ عِنْدَ الْبَعْضِ) فَلَا يُضْمَنُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَبَقِيَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَيَكُونُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ (وَمَضْمُونٌ عِنْدَ الْبَعْضِ) الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَدْنَى مِنْ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ (وَقِيلَ الْأَوَّلُ) أَيْ كَوْنُهُ أَمَانَةً (قَوْلُ الْإِمَامِ وَالثَّانِي) أَيْ كَوْنُهُ مَضْمُونًا (قَوْلُهُمَا أَخْذًا) أَيْ أَخْذُ صَاحِبِ الْقِيلِ كَوْنَ الْأَوَّلِ قَوْلَهُ وَالثَّانِي قَوْلَهُمَا (مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي مَا لَوْ بِيعَ مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ فَمَاتَ فِي يَدِ مُشْتَرِيه حَيْثُ لَا يُضْمَنُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا) فَفَهِمَ صَاحِبُ الْقِيلِ أَنَّ كُلَّ مَبِيعٍ بَيْعًا بَاطِلًا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فَقَالَ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ وَالثَّانِي قَوْلُهُمَا.

(وَلَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا بِإِذْنِ بَائِعِهِ صَرِيحًا) كَقَبْضِ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بِأَمْرِهِ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ (أَوْ دَلَالَةً كَقَبْضِهِ فِي مَجْلِسِ عَقْدِهِ) وَلَمْ يَنْهَهُ الْبَائِعُ عَنْهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ (وَكُلُّ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ (مِنْ) الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ (عِوَضَيْهِ) أَيْ الْبَيْعِ (مَالٌ) خَرَجَ بِهَذَا الْقَيْدِ الْبَيْعُ الْبَاطِلُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَيْعَ الْبَاطِلَ خَرَجَ أَوَّلًا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى إخْرَاجِهِ ثَانِيًا.

وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ بَعْضَ الْبُيُوعِ الْبَاطِلَةِ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا اسْمَ الْفَاسِدِ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمَبِيعَ فِيهَا يُمْلَكُ بِالْقَبْضِ فَصَرَّحَ بِمَا يُخْرِجُهَا انْتَهَى لَكِنْ هَذَا يَكُونُ جَوَابًا لِمَا وَقَعَ فِي الْكَنْزِ وَلَا يَكُونُ جَوَابًا لِمَا فِي هَذَا الْمَتْنِ لِأَنَّ الْمُصَنِّفَ بَيَّنَ أَوَّلًا حُكْمَ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْفَاسِدِ فَلَا يُقَالُ هُنَا إنَّ الْمُرَادَ بِالْفَاسِدِ مَا هُوَ الْبَاطِلُ أَوْ أَعَمُّ بَلْ هُوَ مُسْتَدْرَكٌ تَدَبَّرْ (مَلَكَهُ) أَيْ الْمَقْبُوضَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ بِدُونِ الْقَبْضِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ اتِّفَاقًا لِأَنَّ السَّبَبَ ضَعِيفٌ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ إذَا لَمْ يَتَقَوَّ بِالْقَبْضِ كَالْهِبَةِ، وَقُيِّدَ بِإِذْنِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْقَبْضَ لَوْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>