وَهِيَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ لَا يَسَعُ تَرْكُهَا وَيَكْفُرُ جَاحِدُهَا ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا قَالَ الْكَرْخِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذَكَرَ أَبُو شُجَاعٍ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمَعْنَى يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ أَنَّهُ يَجِبُ تَعْجِيلُ الْفِعْلِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَمَعْنَى يَجِبُ عَلَى التَّرَاخِي أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ لَا أَنَّهُ يَجِبُ تَأْخِيرُهُ عَنْهُ بِحَيْثُ لَوْ أَتَى بِهِ فِيهِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ هَذَا مَذْهَبًا لِأَحَدٍ كَمَا فِي الشُّمُنِّيِّ وَفِي الشَّرْعِ (هِيَ) أَيْ الزَّكَاةُ (تَمْلِيكُ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ جُزْءٌ فَخَرَّجَ الْكَفَّارَةَ (مُعَيَّنٍ) صِفَةُ جُزْءٍ (شَرْعًا مِنْ فَقِيرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّمْلِيكِ (مُسْلِمٍ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ) لِشَرَفِهِمْ (وَلَا مَوْلَاهُ) فَلَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهُ مِنْ الْغَنِيِّ وَالْكَافِرِ وَالْهَاشِمِيِّ وَمَوْلَاهُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِحَالِهِمْ كَمَا سَيَأْتِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَفِي الْكَنْزِ هِيَ تَمْلِيكُ الْمَالِ مِنْ فَقِيرٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ إلَى آخِرِهِ أَقُولُ هَذَا التَّعْرِيفُ يَتَنَاوَلُ مُطْلَقَ الصَّدَقَةِ وَلَا مُخَصِّصَ لَهُ بِالزَّكَاةِ بِخِلَافِ مَا اُخْتِيرَ هَاهُنَا فَإِنَّ قَوْلَهُ عَيَّنَهُ الشَّارِعُ يُفِيدُ التَّخْصِيصَ إذْ لَا تَعْيِينَ فِي الصَّدَقَةِ انْتَهَى لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ صَاحِبَ الْكَنْزِ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ فَتَخْرُجُ بِهِ الصَّدَقَةُ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ وَلَا مُخَصِّصَ لَهُ بِالزَّكَاةِ أَوْ نَقُولُ الْمُرَادُ مِنْ الْمَالِ الْمَالُ الَّذِي أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ وَعَيَّنَهُ فَيَكُونُ اللَّامُ لِلْعَهْدِ عَلَى مَا هُوَ الْمَفْهُومُ تَدَبَّرْ (مَعَ قَطْعِ الْمَنْفَعَةِ عَنْ الْمُمَلِّكِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَهُوَ الدَّافِعُ (مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ الدَّفْعِ إلَى فُرُوعِهِ وَإِنْ سَفَلُوا وَإِلَى أُصُولِهِ وَإِنْ عَلَوْا وَإِلَى مُكَاتَبِهِ وَدَفْعِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ إلَى الْآخَرِ كَمَا سَيَأْتِي (لِلَّهِ تَعَالَى) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّمْلِيكِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْإِخْلَاصِ قَالَ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ: وَهَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِهَا فَكَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي جَمِيعِهَا اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذُكِرَ هَاهُنَا لِغَلَبَةِ الْأَغْرَاضِ فِيهَا لَكِنَّهُ بَعِيدٌ انْتَهَى، وَفِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ تَرْكَ هَذَا الْقَيْدِ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَقَعَ اعْتِمَادًا لِعَدَمِ الْمُجَانِسِ وَكَوْنُهُ لِلَّهِ تَعَالَى مَعْلُومٌ فَلَا حَاجَةَ لِلْقَيْدِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ فَإِنَّ لَهَا مُجَانِسًا مِنْ غَيْرِهَا كَالْهِبَةِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ تَأَمَّلْ.
[شَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاة]
(وَشَرْطُ وُجُوبِهَا) وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِالْوُجُوبِ دُونَ الْفَرْضِيَّةِ لِأَنَّ بَعْضَ شَرَائِطِهَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ الْآحَادِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهَا ثَابِتًا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَمَنْ غَفَلَ عَنْ هَذَا قَالَ: وَالْمُرَادُ بِالْوَاجِبِ الْفَرْضُ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِيهِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ (الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ) إذْ لَا تَكْلِيفَ بِدُونِهَا (وَالْإِسْلَامُ) لِأَنَّهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعِبَادَاتِ (وَالْحُرِّيَّةُ) لِيُحَقِّقَ التَّمْلِيكَ لِأَنَّ الرَّقِيقَ لَا يَمْلِكُ لِيُمَلَّكَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالْإِسْلَامَ كَمَا هُوَ شَرْطُ الْوُجُوبِ فَهُوَ شَرْطُ الْبَقَاءِ أَيْضًا حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ عِيَاذًا بِاَللَّهِ تَعَالَى سَقَطَتْ الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ عَنْهُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَمَلْكُ نِصَابٍ) عَدَّهُ شَرْطًا مُوَافَقَةً لِلْكَنْزِ وَإِنْ عُدَّ فِي الْكُتُبِ الْأُصُولِيَّةِ سَبَبًا وَالنِّصَابُ فِي اللُّغَةِ الْأَصْلُ وَفِي الشَّرِيعَةِ مَا لَا تَجِبُ فِيمَا دُونَهُ زَكَاةٌ مِنْ الْمَالِ وَفِيهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute