هُوَ الْعَدَدُ فَإِذَا مَاتَتْ قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ فَاتَ الْمَحَلُّ قَبْلَ الْإِيقَاعِ فَيَبْطُلُ وَإِنَّمَا خَصَّ مَوْتَهَا بِالذِّكْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ بَعْدَ قَوْلِهِ: طَالِقٌ قَبْلَ قَوْلِهِ: ثَلَاثًا تَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَمْ يَتَّصِلْ بِذِكْرِ الْعَدَدِ فَبَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ عَامِلٌ بِنَفْسِهِ فَيَقَعُ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مُرِيدًا تَعْقِيبَهُ بِثَلَاثٍ فَأَمْسَكَ شَخْصٌ فَاهُ تَقَعُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً؛ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِلَفْظِهِ لَا بِقَصْدِهِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ.
[فَصْلٌ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ]
فَصْلٌ فِي الْكِنَايَاتِ: (وَكِنَايَتُهُ) أَيْ الطَّلَاقِ عَطَفَ عَلَى مَا ذَكَرَ مِنْ الصَّرِيحِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ كَنَّى أَوْ كِنَايَةً عَنْ كَذَا يُكَنَّى، أَوْ يَكْنُو إذَا تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ يُرَادُ بِهِ غَيْرُهُ، وَفِي عِلْمِ الْبَيَانِ لَفْظٌ أُرِيدَ بِهِ لَازِمُ مَعْنَاهُ مَعَ جَوَازِ إرَادَةِ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْهُ وَقِيلَ لَفْظٌ يُقْصَدُ بِمَعْنَاهُ مَعْنًى ثَانٍ مَلْزُومٌ لَهُ، وَفِي الشَّرِيعَةِ مَا اسْتَتَرَ فِي نَفْسِهِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ، أَوْ الْمَجَازِيُّ فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ الْمَهْجُورَةَ كِنَايَةٌ كَالْمَجَازِ غَيْرِ الْغَالِبِ وَكِنَايَةُ الطَّلَاقِ (مَا) أَيْ لَفْظٌ (احْتَمَلَهُ) أَيْ الطَّلَاقُ (وَغَيْرُهُ) فَيَسْتَتِرُ الْمُرَادُ مِنْهُ فِي نَفْسِهِ فَإِنَّ الْبَائِنَ مَثَلًا يُرَادُ مِنْهُ الْمُنْفَصِلُ عَنْ وَصْلَةِ النِّكَاحِ، وَفِي الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ خَفَاءٌ زَالَ بِقَرِينَةٍ (وَلَا يَقَعُ بِهَا) أَيْ وَلِهَذَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِالْكِنَايَاتِ قَضَاءً (إلَّا بِنِيَّةٍ) أَيْ بِنِيَّةِ الزَّوْجِ، أَوْ الطَّلَاقِ مُضَافًا إلَى الْفَاعِلِ، أَوْ الْمَفْعُولِ (أَوْ دَلَالَةِ حَالٍ) ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلطَّلَاقِ بَلْ مَوْضُوعَةٌ لِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ الْمُفِيدَةُ لِمَقْصُودِهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْكِنَايَاتِ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ بِدُونِ النِّيَّةِ وَدَلَالَةِ الْحَالِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا اعْتِبَارَ بِالدَّلَالَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُضْمِرَ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَلَنَا أَنَّ الْحَالَ أَقْوَى دَلَالَةً مِنْ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ وَالنِّيَّةَ بَاطِنَةٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ثُمَّ الْكِنَايَةُ عَلَى قِسْمَيْنِ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ (فَمِنْهَا) أَيْ مِنْ الْكِنَايَاتِ (اعْتَدِّي) فَإِنَّهَا تَحْتَمِلُ الِاعْتِدَادَ عَنْ النِّكَاحِ وَالِاعْتِدَادَ بِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ نَوَى الْأَوَّلَ تَعَيَّنَ وَيَقْتَضِي طَلَاقًا سَابِقًا وَالطَّلَاقُ يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ بِالِاقْتِضَاءِ وَثُبُوتِ الرَّجْعَةِ فِيمَا قَالَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ أَمَّا قَبْلَهُ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا بِاسْمِ الْحُكْمِ عَنْ الْعِلَّةِ لَا الْمُسَبَّبِ عَنْ السَّبَبِ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لِيَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَهُ اخْتِصَاصُ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ وَالْعِدَّةُ لَا تَخْتَصُّ بِالطَّلَاقِ؛ لِثُبُوتِهَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا أُعْتِقَتْ وَمَا أُجِيبَ بِهِ مِنْ أَنَّ ثُبُوتَهَا فِيمَا ذُكِرَ لِوُجُودِ سَبَبِ ثُبُوتِهَا فِي الطَّلَاقِ وَهُوَ الِاسْتِبْرَاءُ لَا بِالْأَصَالَةِ فَغَيْرُ دَافِعٍ سُؤَالَ عَدَمِ الِاخْتِصَاصِ كَمَا فِي الْفَتْحِ: (وَاسْتَبْرِئِي) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ قَبْلَ الْيَاءِ (رَحِمَك) ؛ لِأَنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعِدَّةِ وَهُوَ تَعَرُّفُ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَاحْتَمَلَ اسْتِبْرَاءَهُ، لِأَنِّي طَلَّقْتُك أَوْ لِأُطَلِّقَك يَعْنِي إذَا عَلِمْت خُلُوَّهُ عَنْ الْوَلَدِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَقَعُ وَعَلَى الثَّانِي لَا فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهَا قَبْلَ الدُّخُولِ مَجَازٌ عَنْ كُونِي طَالِقًا كَاعْتَدِّي، وَكَذَا فِي الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ الْمَدْخُولِ بِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ) عِنْدَ قَوْمِك، أَوْ مُنْفَرِدَةٌ عِنْدِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute