[بَابُ الرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ]
ِ وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ لِمَا قَبْلَهُ وَتَأْخِيرُهُ عَنْهُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ عَنْ الشَّهَادَةِ يَقْتَضِي سَبْقَ وُجُودِهَا، وَهُوَ أَمْرٌ مَشْرُوعٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ دِيَانَةً؛ لِأَنَّ فِيهِ خَلَاصًا عَنْ عِقَابِ الْكَبِيرَةِ وَتَرْجَمَ بِالْبَابِ تَبَعًا لِلْكَنْزِ مُخَالِفًا لِلْهِدَايَةِ إذْ لَيْسَ لَهُ أَبْوَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ رَفْعًا لِلشَّهَادَةِ لَكِنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَهَا كَدُخُولِ النَّوَاقِضِ فِي الطَّهَارَةِ قِيلَ رُكْنُهُ قَوْلُ الشَّاهِدِ رَجَعْت عَمَّا شَهِدْت بِهِ، أَوْ شَهِدْت بِزُورٍ فِيمَا شَهِدْت بِهِ، أَوْ كَذَبْت فِي شَهَادَتِي فَلَوْ أَنْكَرَهَا لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْقَاضِي وَعَنْ هَذَا قَالَ (لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الشَّهَادَةِ (إلَّا عِنْدَ قَاضٍ) سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ، أَوْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِهِ فَيَخْتَصُّ الرُّجُوعُ بِمَا تَخْتَصُّ بِهِ الشَّهَادَةُ وَهُوَ مَجْلِسُ الْقَاضِي (فَلَوْ ادَّعَى الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ رُجُوعَهُمَا) أَيْ رُجُوعَ الشَّاهِدَيْنِ (عِنْدَ غَيْرِهِ) أَيْ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي (لَا يَحْلِفَانِ) أَيْ الشَّاهِدَانِ إذَا أَرَادَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ التَّحْلِيفَ (وَلَا يُقْبَلُ بُرْهَانُهُ) أَيْ بُرْهَانُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى رُجُوعِهِمَا؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى رُجُوعًا بَاطِلًا (بِخِلَافِ مَا لَوْ ادَّعَى) أَيْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهَا (وُقُوعَهُ) أَيْ وُقُوعَ الرُّجُوعِ (عِنْدَ قَاضٍ) آخَرَ غَيْرَ الَّذِي كَانَ قَضَى بِالْحَقِّ (وَتَضْمِينُهُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وُقُوعُهُ أَيْ تَضْمِينُ الْقَاضِي الْمَالَ (إيَّاهُمَا) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَيَحْلِفَانِ إنْ أَنْكَرَا؛ لِأَنَّ السَّبَبَ صَحِيحٌ كَمَا لَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ رَجَعَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَإِنْ أَقَرَّ بِرُجُوعٍ بَطَل؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ إنْشَاءً لِلْحَالِ كَمَا فِي الْمِنَحِ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ ادَّعَى رُجُوعَهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي وَلَمْ يَدَّعِ الْقَضَاءَ بِالرُّجُوعِ وَالضَّمَانِ لَا تُسْمَعُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ وَلَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الرُّجُوعَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَصِيرُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ إلَّا بِاتِّصَالِ الْقَضَاءِ (فَإِنْ رَجَعَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ عَنْ الشَّهَادَةِ (قَبْلَ الْحُكْمِ لَا يَحْكُمُ) الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا إذْ لَا قَضَاءَ بِكَلَامٍ مُتَنَاقِضٍ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ الْإِتْلَافِ لَكِنْ يُعَزَّرُ الشَّاهِدُ وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ لِمَا لَوْ رَجَعَا عَنْ بَعْضِهَا كَمَا لَوْ شَهِدَا بِدَارٍ وَبِنَائِهَا، أَوْ بِأَتَانٍ وَوَلَدِهَا ثُمَّ رَجَعَا فِي الْبِنَاءِ وَالْوَلَدِ لَمْ يَحْكُمْ بِالْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ فَسَّقَ نَفْسَهُ وَشَهَادَةُ الْفَاسِقِ تُرَدُّ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ.
(وَإِنْ) رَجَعَا (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْحُكْمِ (لَا يَنْقُضُ) الْقَاضِي حُكْمَهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْأَوَّلَ قَدْ تَأَكَّدَ بِالْقَضَاءِ فَلَا يُنَاقِضُهُ الثَّانِي وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ الشَّاهِدُ وَقْتَ الرُّجُوعِ مِثْلَ مَا شَهِدَ فِي الْعَدَالَةِ، أَوْ دُونَهُ، أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ لَكِنْ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ مُعَزِّيًا إلَى الْمُحِيطِ إنْ كَانَ الرُّجُوعُ بَعْدَ الْقَضَاءِ يُنْظَرُ إلَى حَالِ الرَّاجِعِ فَإِنْ كَانَ حَالُهُ عِنْدَ الرُّجُوعِ أَفْضَلُ مِنْ حَالِهِ وَقْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute