وَإِلَّا فَوَضْعِيٌّ وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ حُدُودُهَا
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَلَى قِسْمَيْنِ: كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَكَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ فَمَشَايِخُنَا تَارَةً يُقَيِّدُونَهَا وَتَارَةً يُطْلِقُونَهَا فَأَمَّا الْمُقَيَّدَةُ فَلَا كَلَامَ فِيهَا وَالْمُطْلَقَةُ فَتُجْعَلُ عَلَى التَّحْرِيمِ.
[فَصْلٌ فِي الْأَكْلِ]
ِ أَيْ فِي بَيَانِ أَحْوَالِ الْأَكْلِ (مِنْهُ) أَيْ بَعْضِ الْأَكْلِ وَكَذَا الشُّرْبُ (فَرْضٌ وَهُوَ بِقَدْرِ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْهَلَاكُ) وَفِي تَرْكِهِ إلْقَاءُ النَّفْسِ فِي التَّهْلُكَةِ فَإِنْ هَلَكَ فَقَدْ عَصَى وَبِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَيُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيُؤْجِرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى اللُّقْمَةُ يَرْفَعُهَا الْعَبْدُ إلَى فِيهِ» .
(وَ) بَعْضُهُ (مَنْدُوبٌ وَهُوَ مَا زَادَ) عَلَى مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْهَلَاكُ (لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّلَاةِ قَائِمًا وَيَسْهُلُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ) لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِمَا يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ طَاعَةٌ وَسُئِلَ أَبُو ذَرٍّ عَنْ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ فَقَالَ الصَّلَاةُ وَأَكْلُ الْخَبْزِ.
(وَ) بَعْضُهُ (مُبَاحٌ) أَيْ لَا أَجْرَ فِيهِ وَلَا وِزْرَ (وَهُوَ مَا زَادَ) مُنْتَهِيًا (إلَى الشِّبَعِ لِزِيَادَةِ قُوَّةِ الْبَدَنِ) .
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَوْ أَكَلَ لِلسَّمْنِ كُرِهَ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ مُقَاتِلٍ وَعَنْ أَبِي مُطِيعٍ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا خُبْزًا مَكْسُورًا فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ لِلسِّمَنِ وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ رُزِقَ بَطْنًا عَظِيمًا خِلْقَةً لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَمَّدَ السِّمَنَ وَلَوْ أَكَلَ أَلْوَانَ الطَّعَامِ ثُمَّ تَقَيَّأَ فَوَجَدَ نَافِعًا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ عِلَاجٌ.
(وَ) بَعْضُهُ (حَرَامٌ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الشِّبَعِ؛ لِأَنَّهُ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ وَأَمْرَاضٌ لِلنَّفْسِ وَلِأَنَّهُ تَبْذِيرٌ وَإِسْرَافٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا خَيْرَ فِي الشِّبَعِ وَلَا فِي الْجُوعِ خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا» (إلَّا لِقَصْدِ التَّقْوَى عَلَى صَوْمِ الْغَدِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ فَائِدَةً (أَوْ لِئَلَّا يَسْتَحِيَ الضَّيْفُ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَمْسَكَ وَالضَّيْفُ لَمْ يَشْبَعْ رُبَّمَا يَسْتَحْيِ فَلَا يَأْكُلُ حَيَاءً أَوْ خَجَلًا فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ مَعَهُ فَوْقَ الشِّبَعِ لِئَلَّا يَكُونَ مِمَّنْ أَسَاءَ الْقِرَى وَهُوَ مَذْمُومٌ عَقْلًا وَشَرْعًا (وَلَا تَجُوزُ الرِّيَاضَةُ بِتَقْلِيلِ الْأَكْلِ حَتَّى يَضْعُفَ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَةِ) قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إنَّ نَفْسَك مَطِيَّتُك فَارْفُقْ بِهَا» وَلَيْسَ مِنْ الرِّفْقِ أَنْ تُجِيعَهَا وَتُذِيبَهَا وَلِأَنَّ تَرْكَ الْعِبَادَةِ لَا يَجُوزُ فَكَذَا مَا يُفْضِي إلَيْهِ وَأَمَّا تَجْوِيعُ النَّفْسِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْجِزُ عَنْ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ فَهُوَ مُبَاحٌ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ.
(وَمَنْ امْتَنَعَ عَنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ حَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute