(وِلَايَتِهِ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلْقَاضِي (أَيْضًا هُوَ الصَّحِيحُ) لِأَنَّهُ مَتَى اعْتَرَفَ أَنَّهُ كَانَ قَاضِيًا صَحَّتْ إضَافَةُ الْأَخْذِ إلَى حَالَةِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ حَالَةَ الْقَضَاءِ مَعْهُودَةٌ، وَهِيَ مُنَافِيَةٌ لِلضَّمَانِ فَصَارَ الْقَاضِي بِالْإِضَافَةِ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ مُنْكِرًا لِلضَّمَانِ، فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ: طَلَّقْتُ أَوْ أَعْتَقْتُ وَأَنَا مَجْنُونٌ، وَجُنُونُهُ كَانَ مَعْهُودًا.
وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا قَالَهُ السَّرَخْسِيُّ إذَا زَعَمَ الْمُدَّعِي أَنَّ الْقَاضِيَ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَزْلِ، كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُدَّعِي لِأَنَّ هَذَا الْفِعْلَ حَادِثٌ فَيُضَافُ إلَى أَقْرَبِ أَوْقَاتِهِ، وَمَنْ ادَّعَى تَارِيخًا سَابِقًا لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ: مَتَى وَقَعَتْ الْمُنَازَعَةُ فِي الْإِسْنَادِ يُحَكَّمُ الْحَالُ (وَالْقَاطِعُ أَوْ الْآخِذُ إنْ كَانَتْ دَعْوَاهُ كَدَعْوَى الْقَاضِي ضَمِنَ) الْقَاطِعُ أَوْ الْآخِذُ (هُنَا) أَيْ فِيمَا قَالَ الْمُدَّعِي فَعَلْتَهُ قَبْلَ وِلَايَتِك أَوْ بَعْدَ عَزْلِك (لَا) يَضْمَنُ (فِي الْأَوَّلِ) أَيْ فِيمَا اعْتَرَفَ لِلْمُدَّعِي بِكَوْنِ ذَلِكَ حَالَ وِلَايَتِهِ، أَيْ إذَا أَقَرَّ الْقَاطِعُ أَوْ الْآخِذُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَاضِي حُجَّةٌ وَدَفْعَهُ صَحِيحٌ فَصَارَ إقْرَارُهُ بِهِ كَفِعْلِهِ مُعَايِنًا، وَلَوْ أَقَرَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فِي الْفَصْلِ الثَّانِي بِمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاضِي يَضْمَنُ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَقَوْلُ الْقَاضِي مَقْبُولٌ فِي دَفْعِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ لَا فِي إبْطَالِ سَبَبِ ضَمَانٍ عَلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِعْلُهُ فِي قَضَائِهِ بِالتَّصَادُقِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ: صَبَّ شَخْصٌ دُهْنًا لِإِنْسَانٍ عِنْد الشُّهُودِ، وَقَالَ الصَّابُّ: كَانَتْ الدُّهْنُ نَجِسَةً، وَأَنْكَرَهُ الْمَالِكُ فَالْقَوْلُ لِلصَّابِّ، وَلَوْ قَتَلَ شَخْصٌ رَجُلًا وَقَالَ قَتَلْتُهُ لِرِدَّتِهِ أَوْ لِقَتْلِهِ أَبِي لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ.
[كِتَابُ الشَّهَادَاتِ]
ِ أَخَّرَهَا عَنْ الْقَضَاءِ لِأَنَّهَا كَالْوَسِيلَةِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ وَشُرُوطُهَا كَثِيرَةٌ تَأْتِي فِي أَثْنَاءِ الْمَسَائِلِ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ: إنَّ شَرَائِطَهَا أَحَدٌ وَعِشْرُونَ.
وَشَرَائِطُ التَّحَمُّلِ ثَلَاثَةٌ.
وَشَرَائِطُ الْأَدَاءِ سَبْعَةَ عَشَرَ مِنْهَا عَشْرُ شَرَائِطَ عَامَّةٌ وَمِنْهَا سَبْعَةُ شَرَائِطَ خَاصَّةٌ.
وَشَرَائِطُ نَفْسِ الشَّهَادَةِ ثَلَاثَةٌ، وَشَرْطُ مَكَانِهَا وَاحِدٌ، وَسَبَبُ وُجُوبِهَا طَلَبُ ذِي الْحَقِّ أَوْ خَوْفُ فَوْتِ حَقِّهِ؛ فَإِنَّ مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لَا يَعْلَمُ بِهَا صَاحِبُ الْحَقِّ، وَخَافَ فَوْتَ الْحَقِّ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِلَا طَلَبٍ، انْتَهَى.
هَذَا لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ بِدُونِ الطَّلَبِ مُطْلَقًا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَ صَاحِبَ الْحَقِّ بِأَنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ فَإِنْ دَعَاهُ وَجَبَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ بَلْ هُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَكُونَ ادَّعَى عِنْدَ الْقَاضِي وَلَمْ يَجِدْ شَاهِدًا يُتِمُّ بِهِ مُدَّعَاهُ، وَذَلِكَ الشَّاهِدُ حَاضِرٌ يَجِبُ أَنْ يَشْهَدَ فَهَذَا فِيهِ طَلَبٌ حُكْمِيٌّ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مَا ادَّعَى عِنْدَ الْحَاكِمِ إلَّا وَهُوَ يَطْلُبُ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ بِحَقِّهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيُّ.
وَمَحَاسِنُهَا كَثِيرَةٌ مِنْهَا امْتِثَالُ الْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ} [المائدة: ٨] .
وَرُكْنُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute