الْخِيَارَاتِ الثَّلَاثِ لِمَا بَيَّنَّا لَكِنْ لَوْ رَجَعَ الْمَالِكُ بِالنَّفَقَةِ يَرْجِعُ بِكُلِّهَا إذْ الْعَمَلُ عَلَى الْعَامِلِ مُسْتَحَقٌّ لِبَقَاءِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ وَفِي التَّنْوِيرِ الْغَلَّةُ فِي الْمُزَارَعَةِ مُطْلَقًا أَيْ صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُزَارِعِ فَلَا ضَمَانَ لَوْ هَلَكَتْ وَمِثْلُهُ الْمُعَامَلَةُ وَإِذَا قَصَّرَ الْمُزَارِعُ فِي سَقْيِ الزَّرْعِ حَتَّى هَلَكَ الزَّرْعُ لَمْ يَضْمَنْ فِي الْفَاسِدَةِ وَيَضْمَنُ فِي الصَّحِيحَةِ.
[كِتَاب الْمُسَاقَاة]
لَا يَخْفَى عَلَيْك أَنَّهُ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يُقَدِّمَ الْمُسَاقَاةَ عَلَى الْمُزَارَعَةِ لِكَثْرَةِ مَنْ يَقُولُ بِجَوَازِهَا وَلَوْ وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ فِي مُعَامَلَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَهْلِ خَيْبَرَ غَيْرَ أَنَّ اعْتِرَاضَ مُوجِبَيْنِ صَوَّبَ إيرَادَ الْمُزَارَعَةِ قَبْلَ الْمُسَاقَاةِ أَحَدُهُمَا شِدَّةُ الِاحْتِيَاجِ إلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الْمُزَارَعَةِ لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَالثَّانِي كَثْرَةُ تَفْرِيعِ مَسَائِلِ الْمُزَارَعَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُسَاقَاةِ وَالْمُسَاقَاةِ مِنْ الْمُزَارَعَةِ كَمَا فِي النَّتْفِ وَإِنَّمَا آثَرَ عَلَى الْمُعَامَلَةِ الَّتِي هِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ؛ لِأَنَّهَا أَوْفَقُ بِحَسَبِ الِاشْتِقَاقِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ مَعْنَاهَا اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ فَالتَّفْرِقَةُ مِنْ الظَّنِّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (هِيَ دَفْعُ الشَّجَرِ إلَى مَنْ يُصْلِحُهُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ ثَمَرِهِ) أَيْ الشَّجَرِ (وَهِيَ) الْمُسَاقَاةُ (كَالْمُزَارَعَةِ حُكْمًا) حَيْثُ يُفْتِي عَلَى صِحَّتِهَا (وَخِلَافًا) حَيْثُ تَبْطُلُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَتَصِحُّ عِنْدَهُمَا كَالْمُزَارَعَةِ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ.
(وَشُرُوطًا) يُمْكِنُ اشْتِرَاطُهَا فِي الْمُسَاقَاةِ كَذِكْرِ نَصِيبِ الْعَامِلِ وَالشَّرِكَةِ فِي الثَّمَرِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْعَامِلِ وَالشَّجَرِ وَأَمَّا بَيَانُ الْبَذْرِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُمْكِنُ فِي الْمُسَاقَاةِ (إلَّا لِمُدَّةٍ فَإِنَّهَا) أَيْ الْمُسَاقَاةَ (تَصِحُّ بِلَا ذِكْرِهَا) أَيْ بِلَا بَيَانِ الْمُدَّةِ اسْتِحْسَانًا فَإِنَّ لِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ وَقْتًا مَعْلُومًا وَقَلَّ مَا يَتَفَاوَتُ فِيهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا هُوَ الْمُتَيَقَّنُ بِهِ وَإِدْرَاكُ الْبَذْرِ فِي أُصُولِ الرَّطْبَةِ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ إدْرَاكِ الثِّمَارِ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ بَيَانُ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ الزَّرْعِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَهُ يَخْتَلِفُ كَثِيرًا خَرِيفًا وَصَيْفًا وَرَبِيعًا وَالِانْتِهَاءَ بِنَاءً عَلَيْهِ فَتَدْخُلُهُ الْجَهَالَةُ الْفَاحِشَةُ قَالَ صَاحِبُ الْمِنَحِ وَغَيْرُهُ وَشُرُوطًا إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا إذَا امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ إذْ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى بِخِلَافِ الْمُزَارَعَةِ وَالثَّانِي إذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ يَتْرُكُ بِلَا أَجْرٍ وَيَعْمَلُ بِلَا أَجْرٍ وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِأَجْرٍ وَالثَّالِثُ إذَا اسْتَحَقَّ النَّخِيلَ يَرْجِعُ الْعَامِلُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِقِيمَةِ الزَّرْعِ وَالرَّابِعُ مَا بُيِّنَ فِي الْمَتْنِ.
(وَتَقَعُ) مُدَّةُ الْمُسَاقَاةِ (عَلَى) مُدَّةِ (أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ) فِي هَذِهِ السَّنَةِ فَأَوَّلُ الْمُدَّةِ وَقْتُ الْعَمَلِ فِي الثَّمَرِ الْمَعْلُومِ وَآخِرُهَا وَقْتُ إدْرَاكِهِ الْمَعْلُومُ فَتَجُوزُ.
وَفِي الْمِنَحِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُدَّةَ فَتَكُونُ لَهُ ثَمَرَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ فِيهَا انْتَقَضَتْ الْمُسَاقَاةُ.
(وَ) تَقَعُ (فِي الرَّطْبَةِ عَلَى إدْرَاكِ بَذْرِهَا) أَيْ دَفْعِ الرَّطْبَةِ لِإِدْرَاكِ الْبَذْرِ كَدَفْعِ الشَّجَرِ لِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute