يُفْتَى) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَيَّدَ بِنَبِيذِ التَّمْرِ؛ إذْ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِذَةِ لَا يَتَيَمَّمُ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ مَخْصُوصٌ مِنْ الْقِيَاسِ بِالْأَثَرِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.
(وَعِنْدَ الْإِمَامِ يَتَوَضَّأُ بِهِ) لِحَدِيثِ لَيْلَةِ الْجِنِّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لَهُ أَعِنْدَك طَهُورٌ قَالَ: لَا إلَّا شَيْءٌ مِنْ نَبِيذٍ قَالَ تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ» لَكِنْ رَجَعَ الْإِمَامُ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَبْلَ مَوْتِهِ عَمَلًا بِآيَةِ التَّيَمُّمِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ أَقْوَى مِنْ الْحَدِيثِ فَيُعْمَلُ بِهَا أَوْ نَقُولُ: إنَّهُ مَنْسُوخٌ بِهَا لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وَلَيْلَةُ الْجِنِّ كَانَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ.
(وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا) ؛ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ اضْطِرَابًا، وَفِي التَّارِيخِ جَهَالَةً فَوَجَبَ الْجَمْعُ احْتِيَاطًا وَالْأَقَاوِيلُ الثَّلَاثَةُ مَرْوِيَّةٌ عَنْ الْإِمَامِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْغُسْلِ بِهِ قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: يَجُوزُ الِاغْتِسَالُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ النَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ يَلْحَقُهُ بِهِ مَا هُوَ مِثْلُهُ وَالْجَنَابَةُ حَدَثٌ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحْدَاثِ.
وَقَالَ فِي الْمُفِيدِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ الْحَدَثَيْنِ، وَالضَّرُورَةُ دُونَهَا فِي الْوُضُوءِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَمَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْمُفِيدِ أَنَّ النَّبِيذَ الْحُلْوَ الرَّقِيقَ كَالْمَاءِ يَجُوزُ بِهِ الْوُضُوءُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَالْمُتَنَازَعُ فِيهِ هُوَ الْمَطْبُوخُ الَّذِي زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ انْتَهَى فَفِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي نَبِيذِ التَّمْرِ وَاقِعٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَطْبُوخًا أَوْ غَيْرَ مَطْبُوخٍ تَدَبَّرْ.
[بَابُ التَّيَمُّمِ]
مَعْنَى الْبَابِ فِي اللُّغَةِ النَّوْعُ، وَقَدْ يُعَرَّفُ بِأَنَّهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ اشْتَمَلَ عَلَيْهَا كِتَابٌ وَلُقِّبَ بِبَابِ كَذَا ابْتَدَأَ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ ثَنَّى بِالْغُسْلِ ثُمَّ ثَلَّثَ بِالتَّيَمُّمِ عَلَى وَفْقِ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى تَقْدِيمًا لِمَا حَقُّهُ أَنْ يُقَدَّمَ التَّيَمُّمُ لُغَةً الْقَصْدُ وَشَرْعًا طَهَارَةٌ حَاصِلَةٌ بِاسْتِعْمَالِ الصَّعِيدِ الطَّاهِرِ فِي عُضْوَيْنِ مَخْصُوصَيْنِ عَلَى قَصْدٍ مَخْصُوصٍ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ جُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ فِي أَعْضَاءٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى قَصْدِ التَّطْهِيرِ وَفِيهِ بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اسْتِعْمَالُ الْجُزْءِ فِي الْأَعْضَاءِ حَتَّى يَجُوزَ بِالْحَجَرِ الْأَمْلَسِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ انْتَهَى، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنْ يُرَادَ مِنْ الْجُزْءِ الْجُزْءُ الْحَاصِلُ مِنْ الْأَرْضِ وَالْحَجَرُ أَيْضًا مِنْ الْأَرْضِ وَالْمُرَادُ بِاسْتِعْمَالِهِ: اسْتِعْمَالُهُ الْمُعْتَبَرُ شَرْعًا تَدَبَّرْ وَالْأَصْلُ فِي شَرْعِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: ٦] وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إلَى عَشْرِ حِجَجٍ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ» (يَتَيَمَّمُ الْمُسَافِرُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [المائدة: ٦] الْآيَةَ السَّفَرُ الْمُعْتَبَرُ هَا هُنَا هُوَ السَّفَرُ الْعُرْفِيُّ وَالشَّرْعِيُّ؛ لِأَنَّ قَلِيلَهُ وَكَثِيرَهُ سَوَاءٌ فِي التَّيَمُّمِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى الدَّابَّةِ خَارِجَ الْمِصْرِ.
(وَمَنْ هُوَ خَارِجُ الْمِصْرِ) وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهَذَا بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ عَادِمَ الْمَاءِ فِي الْمِصْرِ يَتَيَمَّمُ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ (لِبُعْدِهِ عَنْ الْمَاءِ) الصَّالِحِ لِلْوُضُوءِ، وَالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ فَلَمْ يَدْخُلْ مَا لَا يَصْلُحُ لَهُ وَإِنْ كَانَ التَّنْكِيرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute