فِي قَوْله تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} [المائدة: ٦] يَدُلُّ عَلَى إفَادَةِ الْعُمُومِ لِوُقُوعِهِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَلَا يَلْزَمُ الْمُنَافَاةُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنَافِي قَوْلَ أَصْحَابِنَا أَنْ لَوْ كَانَ الْمَفْهُومُ حُجَّةً وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ (مِيلًا) سَوَاءٌ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا وَالْمِيلُ ثُلُثُ الْفَرْسَخِ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَخَمْسُمِائَةٍ إلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ.
وَفِي الصِّحَاحِ الْمِيلُ مِنْ الْأَرْضِ مُنْتَهَى مَدِّ الْبَصَرِ وَعَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يَسْمَعُ مِنْهُ صَوْتَ أَهْلِ الْمَاءِ فَهُوَ قَرِيبٌ، وَإِلَّا فَهُوَ بَعِيدٌ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ بِحَيْثُ لَوْ ذَهَبَ إلَيْهِ تَوَضَّأَ لَغَابَتْ الْقَافِلَةُ عَنْ بَصَرِهِ فَهُوَ بَعِيدٌ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ.
(أَوْ لِمَرَضٍ خَافَ زِيَادَتَهُ) بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ بِسَبَبِ الْحَرَكَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ خَوْفُ التَّلَفِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ وَجَدَ الْمَرِيضُ مَنْ يُوَضِّئُهُ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ خَادِمٌ أَوْ أَجِيرٌ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِالِاتِّفَاقِ (أَوْ بُطْءَ بُرْئِهِ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى زِيَادَتِهِ وَيَجُوزُ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمَرَضِ؛ لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ التَّيَمُّمِ لِلْمَرِيضِ إنَّمَا هِيَ لِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ، وَالْحَرَجُ يَتَحَقَّقُ بِالِامْتِدَادِ أَيْضًا وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ غَلَبَةُ الظَّنِّ، وَمَعْرِفَتُهُ بِاجْتِهَادِ الْمَرِيضِ تَجْرِبَةً أَوْ أَمَارَةً أَوْ بِإِخْبَارِ طَبِيبٍ مُسْلِمٍ غَيْرِ ظَاهِرِ الْفِسْقِ (أَوْ لِخَوْفِ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ) سَوَاءٌ كَانَ خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى مَالِهِ أَوْ عَلَى مَالٍ عِنْدَهُ أَمَانَةٍ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَبِهَذَا تَبَيَّنَ ضَعْفُ مَا قِيلَ فِي تَعْلِيلِهِ؛ لِأَنَّ صِيَانَةَ النَّفْسِ أَوْجَبُ مِنْ صِيَانَةِ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَإِنَّ لَهَا بَدَلًا، وَلَا بَدَلَ لِلنَّفْسِ انْتَهَى، وَكَذَا لَوْ خَافَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى نَفْسِهَا بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ عِنْدَ فَاسِقٍ أَوْ خَافَ الْمَدْيُونُ الْمُفْلِسُ مِنْ الْحَبْسِ بِأَنْ كَانَ صَاحِبُ الدَّيْنِ عِنْدَ الْمَاءِ.
وَفِي الْوَلْوَالِجِيِّ مُتَيَمِّمٌ مَرَّ عَلَى مَاءٍ فِي مَوْضِعٍ لَا يَسْتَطِيعُ النُّزُولَ إلَيْهِ لِخَوْفٍ مِنْ عَدُوٍّ عَلَى نَفْسِهِ لَا يُنْتَقَضُ تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ.
وَفِي التَّجْنِيسِ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَمَنَعَهُ إنْسَانٌ بِوَعِيدِ قَتْلٍ يَنْبَغِي أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ ثُمَّ يُعِيدَ الصَّلَاةَ بَعْد مَا زَالَ عَنْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ جَاءَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ فَلَا يَسْقُطُ فَرْضُ الْوُضُوءُ عَنْهُ كَالْمَحْبُوسِ فِي السِّجْنِ انْتَهَى لَكِنْ يُشْكِلُ هَذَا بِالْعَدُوِّ فَإِنَّ التَّيَمُّمَ يُعْتَبَرُ ثَمَّةَ مَعَ أَنَّ الْعَجْزَ حَصَلَ مِنْ قِبَلِ الْعِبَادِ، وَالْقِيَاسُ لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ فِي الْمَحْبُوسِ يَكُونُ مِنْ قِبَلِهِمْ غَالِبًا (أَوْ عَطِشَ) سَوَاءٌ كَانَ عَطَشُهُ أَوْ عَطَشُ رَفِيقِهِ أَوْ دَابَّتِهِ أَوْ كَلْبِهِ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الِاسْتِقْبَالِ وَكَذَا إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعَجِينِ وَأَمَّا لِاِتِّخَاذِ الْمَرَقَةِ لَا (أَوْ لِفَقْدِ آلَةٍ) يَسْتَخْرِجُ بِهَا الْمَاءَ وَلَوْ مِنْدِيلًا طَاهِرًا.
(بِمَا كَانَ) أَيْ يَتَيَمَّمُ بِمَا كَانَ (مِنْ) كُلُّ شَيْءٍ يَحْتَرِقُ بِالنَّارِ، وَيَصِيرُ رَمَادًا لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْطَبِعُ وَيَذُوبُ (كَالتُّرَابِ وَالرَّمْلِ وَالنَّوْرَةِ وَالْجِصِّ وَالْكُحْلِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْحَجَرِ) وَكَذَا الْيَاقُوتُ وَالْفَيْرُوزَجُ وَالزُّمُرُّدُ؛ لِأَنَّهَا أَحْجَارٌ مُضِيئَةٌ، وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِاللُّؤْلُؤِ وَلَوْ مَسْحُوقًا وَالزُّجَاجُ الْمُتَّخَذُ مِنْ الرَّمْلِ وَشَيْءٍ آخَرَ وَالْمَاءُ الْمُتَجَمِّدُ وَالْمَعَادِنُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّهَا أَوْ مُخْتَلِطًا بِالتُّرَابِ وَالتُّرَابُ غَالِبٌ.
(وَلَوْ بِلَا نَقْعٍ) أَيْ بِلَا غُبَارٍ حَتَّى لَوْ ضَرَبَ يَدَيْهِ عَلَى حَجَرٍ أَمْلَسَ جَازَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute