الْحَرْبِ عَبْدًا حَرْبِيًّا لَا يُعْتَقُ إلَّا أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ فَإِنْ خَلَّاهُ عَتَقَ وَلَا وَلَاءَ لَهُ وَلَهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ وَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى عَبْدًا ثَمَّةَ وَأَعْتَقَهُ بِالْقَوْلِ عَتَقَ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا مُسْلِمًا فَأَعْتَقَهُ مُسْلِمٌ أَوْ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَوَلَاؤُهُ لَهُ.
[فَصَلِّ وَلَاء المولاة]
فَصَلِّ هَذَا الْفَصْلُ لِبَيَانِ ثَانِي نَوْعَيْ الْوَلَاءِ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَوَجْهُ تَأْخِيرِهِ عَنْ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ ظَاهِرٌ (وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ سَبَبُهُ الْعَقْدُ) وَلِهَذَا يُضَافُ إلَى مُوَالَاةٍ وَهِيَ الْعَقْدُ وَالْأَصْلُ فِي الْإِضَافَةِ إضَافَةُ الْمُسَبَّبِ إلَى السَّبَبِ كَمَا يُضَافُ الْوَلَاءُ إلَى الْعَتَاقَةِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الْعِتْقُ (فَلَوْ أَسْلَمَ عَجَمِيٌّ) مَجْهُولُ النَّسَبِ وَإِنَّمَا شَرَطَ كَوْنَهُ عَجَمِيًّا لِأَنَّ تَنَاصُرَ الْعَرَبِ بِالْقَبَائِلِ فَأَغْنَى عَنْ الْوَلَاءِ وَإِنَّمَا شَرَطْنَا كَوْنَهُ مَجْهُولَ النَّسَبِ لِأَنَّ مَنْ عُرِفَ نَسَبُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُ كَمَالٍ الْوَزِيرُ وَأَمَّا كَوْنُهُ مَجْهُولِ النَّسَبِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِابْنِ مَلَكٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ (عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَاهُ) بِأَنْ قَالَ أَنْتَ مَوْلَايَ تَرِثُنِي إذَا مِتُّ وَتَعْقِلُ عَنِّي إذَا جَنَيْتُ فَيَقْبَلُ الْآخَرُ فَذَلِكَ عَقْدٌ صَحِيحٌ وَأَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ (عَلَى أَنْ يَرِثَهُ) أَيْ الرَّجُلُ إذَا مَاتَ هُوَ.
(وَ) أَنْ (يَعْقِلَ) الرَّجُلُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ أَيْ يُؤَدِّي الْجِنَايَةَ عَنْهُ إذَا جَنَى (أَوْ وَالَى غَيْرَ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالَى غَيْرَهُ (صَحَّ) هَذَا الْعَقْدُ (إنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَقًا) فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُعْتَقًا لَمْ يَصِحَّ عَقْدُ الْمُوَالَاةِ لِقُوَّةِ وَلَاءِ الْعَتَاقَةِ وَكَذَا يَصِحُّ لَوْ وَالَى صَبِيٌّ عَاقِلٌ بِإِذْنِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مِنْ أَهْلِ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ إذَا ثَبَتَ سَبَبُهُ بِأَنْ مَلَكَ قَرِيبَهُ أَوْ كَاتَبَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ عَبْدَهُ وَعَتَقَ كَانَ وَلَاؤُهُ لَهُ فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ لَهُ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ إذَا صَدَرَ عَنْهُ عَقْدُهَا بِالْإِذْنِ كَمَا لَوْ وَالَى الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ آخَرَ فَإِنَّهُ يَكُونُ وَكِيلًا مِنْ سَيِّدِهِ بِعَقْدِ الْمُوَالَاةِ.
(وَ) إذَا صَحَّ يَكُونُ (عَقْلُهُ) أَيْ جِنَايَتُهُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمَوْلَى الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ وَوَالَاهُ أَوْ الَّذِي وَالَاهُ وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ (وَارِثُهُ لَهُ) أَيْ مِيرَاثُهُ لِلَّذِي وَالَاهُ إذَا مَاتَ (إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ) مِنْ النَّسَبِ (وَهُوَ) أَيْ الْقَابِلُ لِلْمُوَالَاةِ (مُؤَخَّرٌ عَنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ) ؛ لِأَنَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ يَرِثُونَ بِالْقَرَابَةِ وَهِيَ أَقْوَى وَآكَدُ مِنْ الْوَلَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَقْبَلُ النَّقْضَ وَالْوَلَاءُ يَقْبَلُهُ بِخِلَافِ الزَّوْجَيْنِ حَيْثُ يَرِثُ مَعَهُمَا لِأَنَّهُمَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَالْأَجَانِبِ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمَا فَإِذَا أَخَذَا حَقَّهُمَا صَارَ الْبَاقِي خَالِيًا عَنْ الْوَارِثِ فَيَكُونُ لِمَوْلَى الْمُوَالَاةِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ عَقْدُ الْمُوَالَاةِ أَصْلًا وَيُوضَعُ مَالُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ الْفَرْضُ وَالتَّعْصِيبُ وَلِهَذَا لَا مِيرَاثَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ عِنْدَهُمْ
وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣٣] إلَى آخِرِهِ وَنُقِلَ عَنْ أَئِمَّةِ التَّفْسِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الصَّفْقَةُ لَا الْقِسْمُ إذْ الْعَادَةُ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute