تَشْمَلُ ذَلِكَ، انْتَهَى. لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ لِأَنَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ قَالَ بَعْدَهُ: وَإِنَّمَا اخْتَرْت تَعْرِيفًا صَحِيحًا مَتْنًا وَلَا لِجَمِيعِ الْأَقْسَامِ صَرِيحًا، وَلَا صَرَاحَةَ فِيمَا نَقَلَ صَاحِبُ الْمِنَحِ عَنْ الْمَوْلَى الْمِسْكِينِ بَلْ عَلَى طَرِيقِ الشُّمُولِ وَالتَّصْرِيحِ أَوْلَى فِي التَّعْرِيفِ، تَدَبَّرْ.
(لَا فِي الدَّيْنِ) كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ لَكِنَّهُ (هُوَ) أَيْ كَوْنُهُ ضَمَّ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ فِي الْمُطَالَبَةِ (الْأَصَحُّ) لِأَنَّ الْكَفَالَةَ كَمَا تَصِحُّ بِالْمَالِ تَصِحُّ بِالنَّفْسِ، وَلَا دَيْنَ ثَمَّةَ وَكَمَا تَصِحُّ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِنَفْسِهَا وَلِأَنَّهُ لَمَّا يَثْبُتْ الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ الْكَفِيلِ وَلَمْ يَبْرَأْ الْأَصِيلُ صَارَ الدَّيْنُ الْوَاحِدُ دَيْنَيْنِ وَقَلَبَ الْحَقِيقَةَ، فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ فِيهِ كَلَامٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى قَلْبِ الْحَقَائِقِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ انْقِلَابٌ وَاحِدٌ مِنْ الْوَاجِبِ وَالْمُمْتَنِعِ وَالْمُمْكِنِ إلَى الْآخَرِ، وَالدَّيْنُ فِعْلٌ وَاجِبٌ فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ هَهُنَا تَمْلِيكُ مَالٍ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
وَقَالَ الْمَوْلَى أَخِي فِي حَاشِيَتِهِ: تَعْلِيلُ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ يُعْطِي عَدَمَ صِحَّةِ الثَّانِي مَعَ أَنَّ مُقْتَضَى صِيغَةِ التَّفْضِيلِ صِحَّتُهُ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُلْغَى مَعْنَى الْأَفْضَلِيَّةِ فِيهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ فَكَأَنَّهُ قَالَ الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ فِي شَرْحِ الْغُرَرِ، انْتَهَى. هَذَا مُخَالِفٌ لِاصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فَإِنَّهُمْ لَا يَسْتَعْمِلُونَ الْأَصَحَّ فِي مَعْنَى الصَّحِيحِ بَلْ فِي مُقَابَلَةِ الصَّحِيحِ، تَدَبَّرْ.
(وَلَا تَصِحُّ) الْكَفَالَةُ (إلَّا مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ) لِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ ابْتِدَاءً فَلَا تَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَكِنَّ الْعَبْدَ يُطَالَبُ بَعْدَ الْعِتْقِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ هَذَا بَيَانُ أَهْلِهَا.
[أَرْكَان الْكِفَالَة]
وَأَمَّا رُكْنُهَا فَإِيجَابٌ وَقَبُولٌ بِالْأَلْفَاظِ الْآتِيَةِ، وَلَمْ يَجْعَلْ أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ الْآخَرِ الْقَبُولَ رُكْنًا فَجَعَلَهَا تَتِمُّ بِالْكَفِيلِ وَحْدَهُ فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ.
وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَكْفُولِ بِهِ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ مِنْ الْكَفِيلِ، وَفِي الدَّيْنِ كَوْنُهُ صَحِيحًا، وَحُكْمًا لُزُومُ الْمُطَالَبَةِ عَلَى الْكَفِيلِ بِمَا هُوَ عَلَى الْأَصِيلِ نَفْسًا أَوْ مَالًا.
وَالْمُدَّعِي مَكْفُولٌ لَهُ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَكْفُولٌ عَنْهُ، وَالنَّفْسُ أَوْ الْمَالُ مَكْفُولٌ بِهِ، وَالْمَكْفُولُ عَنْهُ وَالْمَكْفُولُ بِهِ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَاحِدٌ.
[أَنْوَاع الْكِفَالَة]
(وَهِيَ) الْكَفَالَةُ (ضَرْبَانِ) كَفَالَةٌ (بِالنَّفْسِ، وَ) كَفَالَةٌ (بِالْمَالِ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ، إذْ عِنْدَهُ لَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ فِي قَوْلٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَكْفُولِ لَهُ حَيْثُ لَا يَنْقَادُ لَهُ بَلْ يُمَانِعُهُ، وَيُدَافِعُهُ بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ بِالْمَالِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَالِ نَفْسِهِ، وَلَنَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الزَّعِيمُ غَارِمٌ» .
وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يُفِيدُ مَشْرُوعِيَّةَ الْكَفَالَةِ بِنَوْعَيْهَا، لَا يُقَالُ: لَا غُرْمَ فِي كَفَالَةِ النَّفْسِ لِأَنَّا نَقُولُ