دَيْنًا عَلَى الْآخَرِ.
وَقَالَ زُفَرُ: إنْ كَانَتْ الْكَفَالَةُ بِالْأَمْرِ يَرْجِعُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ الْمَانِعَ وَهُوَ الرِّقُّ قَدْ زَالَ، قُلْنَا: وَقَعَتْ غَيْرَ مُوجِبَةٍ لِلرُّجُوعِ فَلَا تَنْقَلِبُ مُوجِبَةً لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
[كِتَابُ الْحَوَالَةِ]
ِ ذَكَرَهَا بَعْدَ الْكَفَالَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَقْدُ الْتِزَامِ مَا عَلَى الْأَصِيلِ لِلتَّوَثُّقِ إلَّا أَنَّ الْحَوَالَةَ تَتَضَمَّنُ بَرَاءَةَ الْأَصِيلِ بَرَاءَةً مُقَيَّدَةً بِخِلَافِ الْكَفَالَةِ فَكَانَتْ كَالْمُرَكَّبِ مَعَ الْمُفْرَدِ، وَالْمُفْرَدُ مُقَدَّمٌ، وَهِيَ فِي اللُّغَةِ النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ، وَحُرُوفُهَا كَيْفَ مَا تَرَكَّبَتْ دَارَتْ عَلَى مَعْنَى النَّقْلِ وَالزَّوَالِ. وَقِيلَ: هِيَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْإِحَالَةِ، يُقَالُ: أَحَلْتُ زَيْدًا بِمَالِهِ عَلَى فُلَانٍ، وَلِذَا قِيلَ لِلْمَدْيُونِ مُحِيلٌ وَمُحْتَالٌ، وَلِلدَّائِنِ مُحَالٌ وَمُحْتَالٌ، وَلِمَنْ يَقْبَلُ الْحَوَالَةَ مُحَالٌ عَلَيْهِ وَمُحْتَالٌ عَلَيْهِ، وَلِلدَّيْنِ مُحَالٌ بِهِ وَمُحْتَالٌ بِهِ، لَكِنْ تُرِكَ عِنْدَ الِاسْتِعْمَالِ مُحْتَالٌ فِي مُحِيلٍ فِرَارًا عَنْ الْتِبَاسِهِ الْمَفْعُولَ مِنْ بَابِهِ، وَقَدْ فَرَّقَ الْبَعْضُ بِإِلْحَاقٍ لَهُ إلَى الْمَفْعُولِ، وَقَالَ مُحْتَالٌ لَهُ، قِيلَ: هُوَ لَغْوٌ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الصِّلَةِ.
وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ (هِيَ) أَيْ الْحَوَالَةُ (نَقْلُ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ) أَيْ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّهَا هَلْ تُوجِبُ الْبَرَاءَةَ عَنْ الدَّيْنِ وَالْمُطَالَبَةِ جَمِيعًا أَوْ عَنْ الْمُطَالَبَةِ دُونَ الدَّيْنِ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا تُوجِبُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْمِنَحِ.
[مَا تَصِحّ فِيهِ الْحَوَالَةِ]
(وَتَصِحُّ) الْحَوَالَةُ (فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ) أَمَّا الصِّحَّةُ فَبِالْإِجْمَاعِ وَبِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ» أَيْ إذَا أُحِيلَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ، وَالْأَمْرُ بِالِاتِّبَاعِ دَلِيلُ الْجَوَازِ، وَأَمَّا اخْتِصَاصُهَا بِالدَّيْنِ فَلِأَنَّ الْحَوَالَةَ نَقْلٌ حُكْمِيٌّ وَالدَّيْنَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ فَجَازَ لِلدَّيْنِ أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ النَّقْلَ أَمَّا الْعَيْنُ كَالثَّوْبِ فَحِسِّيٌّ فَلَا يَقْبَلُ النَّقْلَ الْحُكْمِيَّ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى النَّقْلِ الْحِسِّيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْمُحْتَالِ دَيْنٌ عَلَى الْمُحِيلِ وَلِذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: أَحَالَ عَلَيْهِ مِائَةً مِنْ الْحِنْطَةِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُحِيلِ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلَا لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحِيلِ فَقَبِلَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ (بِرِضَى) مُتَعَلِّقٌ بِتَصِحُّ (الْمُحْتَالِ) لِأَنَّ الدَّيْنَ حَقُّهُ وَالذِّمَمَ مُتَفَاوِتَةٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ رِضَاهُ لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي الْإِيفَاءِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ (وَالْمُحْتَالِ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الدَّيْنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute