(وَإِذَا رُفِعَ حُكْمُهُ) أَيْ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ (إلَى قَاضٍ أَمْضَاهُ إنْ وَافَقَ مَذْهَبَهُ) لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي نَقْضِهِ، ثُمَّ فَائِدَةُ هَذَا الْإِمْضَاءِ أَنْ لَا يَكُونَ لِقَاضٍ آخَرَ - يَرَى خِلَافَهُ - نَقْضُهُ إذَا رُفِعَ إلَيْهِ لِأَنَّ إمْضَاءَهُ بِمَنْزِلَةِ قَضَائِهِ (وَإِلَّا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ مَذْهَبَهُ (نَقَضَهُ) أَيْ لَمْ يُمْضِهِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ وِلَايَةٍ عَامَّةٍ فَلَمْ يُلْزِمْ الْقَاضِيَ إذَا خَالَفَ رَأْيَهُ.
(وَلَا يَصِحُّ التَّحْكِيمُ فِي حَدٍّ) إذْ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى (وَقَوَدٍ) لِأَنَّهُمَا لَا يَمْلِكَانِ إبَاحَةَ دَمِهِمَا فَلَا يَجُوزُ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ فِيهِمَا لِتَوَقُّفِ حُكْمِهِ عَلَى صِحَّةِ تَحْكِيمِهِمَا، وَقِيلَ: إنَّ حُكْمَهُ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الِاسْتِيفَاءُ بِالصُّلْحِ، وَاسْتِيفَاءُ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِالصُّلْحِ فَلَا يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهِمَا (وَيَصِحُّ) التَّحْكِيمُ (فِي سَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ) وَغَيْرِهَا الَّذِي هُوَ الثَّابِتُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى (قَالُوا) أَيْ مَشَايِخُنَا (وَلَا يُفْتَى بِهِ) أَيْ بِالتَّحْكِيمِ (دَفْعًا لِتَجَاسُرِ الْعَوَامّ) .
وَفِي الْبَحْرِ: وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ " لَا يُفْتَى بِهِ ": لَا يُكْتَبُ عَلَى الْفَتْوَى أَوْ لَا يُجَابُ بِاللِّسَانِ بِالْحِلِّ، وَإِنَّمَا يَسْكُتُ الْمُفْتِي كَمَا أَفَادَهُ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى بِقَوْلِهِ: نَكْتُمُ هَذَا الْفَصْلَ وَلَا نُفْتِي بِهِ، وَظَاهِرُ الْهِدَايَةِ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُفْتِيَ يُجِيبُ بِقَوْلِهِ بِلَا يَحِلُّ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ، انْتَهَى.
(وَلَوْ حَكَّمَاهُ فِي دَمِ خَطَأٍ فَحَكَمَ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَا يَنْفُذُ) لِأَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ لَا يَنْفُذُ فِي حَقِّ الْمُحَكِّمَيْنِ وَلَا يَنْفُذُ إذًا فِي حَقِّ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُمْ مَا رَضُوا بِحُكْمِهِ كَمَا لَوْ حَكَّمَا فِي عَيْبِ مَبِيعٍ فَقَضَى بِرَدِّهِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى بَائِعِهِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالْمُشْتَرِي بِتَحْكِيمِهِ.
قَيَّدَ بِكَوْنِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ فِيهِ عَلَى الْقَاتِلِ مِنْ مَالِهِ إذَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ خَطَأً، وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ لَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِهَا لِكَوْنِهِ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ وَهُوَ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْأَوْلِيَاءِ قُومُوا فَدُوهُ» (وَلَا يَصِحُّ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ وَلَا الْمُوَلَّى) أَيْ الْقَاضِي مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ (لِأَبَوَيْهِ) وَإِنْ عَلَا (وَوَلَدِهِ) وَإِنْ سَفَلَ (وَزَوْجَتِهِ) لِأَنَّهُ يُتَّهَمُ بِحُكْمِهِ لَهُمْ (وَيَصِحُّ) حُكْمُهُمَا (عَلَيْهِمْ) كَالشَّهَادَةِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ لَهُمْ وَتَجُوزُ عَلَيْهِمْ (وَيَصِحُّ لِمَنْ وَلَّاهُ وَعَلَيْهِ) لِأَنَّ مَنْ جَازَ شَهَادَتُهُ لَهُ وَعَلَيْهِ جَازَ قَضَاؤُهُ لَهُ وَعَلَيْهِمْ.
[مَسَائِلُ شَتَّى مِنْ كِتَاب الْقَضَاء]
مَسَائِلُ شَتَّى جَمْعُ شَتِيتٍ أَيْ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ وَهُوَ هُنَا مَرْفُوعٌ عَلَى الْوَصْفِيَّةِ لِلْمَسَائِلِ، وَالْمَسَائِلُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، فَإِذَا قُلْتَ: جَاءَنِي الْقَوْمُ شَتَّى نَصَبْتَ عَلَى الْحَالِ أَيْ مُتَفَرِّقِينَ (لَيْسَ لِذِي سُفْلٍ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى السُّفْلِ (عُلُوٌّ لِغَيْرِهِ أَنْ يَتِدَ) أَيْ لَا يَدُقَّ وَتَدًا (فِي سُفْلِهِ أَوْ يَنْقُبَ كُوَّةً) بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ، وَهِيَ الطَّاقَةُ،.
وَفِي الدِّيوَانِ بِالْفَتْحِ الرَّوْزَنَةُ.
وَفِي الْبَحْرِ بِفَتْحِ الْكَافِّ نَقْبُ الْبَيْتِ وَيُجْمَعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute