للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَجٌّ مَبْرُورٌ فَيُبْتَدَأُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ (وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ فِي الطَّرِيقِ) فَيُحَجُّ عَنْهُ ثَانِيًا مِنْ وَطَنِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ.

[بَاب الْوَصِيَّة لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرهمْ]

ْ إنَّمَا أَخَّرَ هَذَا الْبَابَ عَمَّا تَقَدَّمَهُ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحْكَامُ الْوَصِيَّةِ لِقَوْمٍ مَخْصُوصِينَ وَالْمَذْكُورَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَحْكَامُهَا عَلَى الْعُمُومِ، وَالْخُصُوص أَبَدًا تَابِعٌ لِلْعُمُومِ (جَارُ الْإِنْسَانِ مُلَاصِقُهُ) قَدَّمَ الْوَصِيَّةَ لِلْجَارِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ تَبَعًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ وَكَانَ حَقُّ الْكَلَامِ أَنْ يُقَدِّمَ الْوَصِيَّةَ لِلْأَقَارِبِ عَلَى الْوَصِيَّةِ لِلْجَارِ نَظَرًا إلَى تَرْجَمَةِ الْبَابِ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ وَأَنَّ التَّقْدِيمَ فِي الذِّكْرِ اهْتِمَامًا بِأَمْرِ الْجَارِ، ثُمَّ إنَّ حَمْلَ الْجَارِ عَلَى الْمُلَاصِقِ هُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَقَدْ حُمِلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْجَارُ أَحَقُّ بِصَقَبِهِ» وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْجَارَ أَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ إذَا كَانَ مُلَاصِقًا (وَعِنْدَهُمَا) جَارُ الْإِنْسَانِ مَنْ يَسْكُنُ مَحَلَّتَهُ وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُهَا أَيْ مَسْجِدُ الْمَحَلَّةِ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى جِيرَانًا عُرْفًا قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» وَفُسِّرَ بِكُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْبِرُّ، وَبِرُّ الْجَارِ لَا يَخْتَصُّ بِالْمُلَاصِقِ بَلْ بِرُّ الْمُقَابِلِ مَقْصُودٌ كَبِرِّ الْمُلَاصِقِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نَوْعِ اخْتِلَاطٍ فَإِذَا جَمَعَهُمْ مَسْجِدٌ وَاحِدٌ فَقَطْ وُجِدَ الِاخْتِلَاطُ، وَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْمَسْجِدِ زَالَ الِاخْتِلَاطُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْجِوَارُ إلَى أَرْبَعِينَ دَارًا قُلْنَا هَذَا الْخَبَرُ ضَعِيفٌ فَقَدْ طَعَنُوا فِي رِوَايَتِهِ (وَيَسْتَوِي فِيهِ) أَيْ لَفْظُ الْجَارِ (السَّاكِنُ وَالْمَالِكُ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ) وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا دَخَلَ الْمَذْكُورُونَ فِي لَفْظِ الْجَارِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهِمْ لُغَةً وَشَرْعًا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ السَّاكِنُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ هَذَا الِاسْمِ يَتَنَاوَلُهُ وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَهُمَا؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ لَيْسَ بِجَارٍ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ إلَّا بِتَمْلِيكِهِ، أَلَا يُرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ مَوْلَاهُ غَنِيًّا بِخِلَافِ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْأَرْمَلَةُ تَدْخُلُ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا مُضَافَةٌ إلَيْهَا وَلَا تَدْخُلُ الَّتِي لَهَا بَعْلٌ؛ لِأَنَّ سُكْنَاهَا غَيْرُ مُضَافَةٍ إلَيْهَا وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ فَلَمْ تَكُنْ جَارًا مُطْلَقًا.

(وَصِهْرُهُ مَنْ هُوَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ) ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَعْتَقَ كُلَّ مَنْ مَلَكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا» وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي الصِّحَاحِ الْأَصْهَارُ اسْمُ أَهْلِ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَحْرَمِ وَفِي الْكَافِي وَإِنَّمَا يَدْخُلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>