للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَذَلِكَ عِنْدَنَا لِعَدَمِ الْقَصْدِ الصَّحِيحِ وَلَمَا رُوِيَ أَنَّ مَجْنُونًا صَالَ عَلَى رَجُلٍ بِسَيْفٍ فَضَرَبَهُ فَفَزِعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَجَعَلَ عَقْلَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَالَ: عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْمَرْحَمَةِ وَالْعَاقِلُ الْخَاطِئُ لَمَّا اسْتَحَقَّ التَّخْفِيفَ حَتَّى وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَالصَّبِيُّ وَهُوَ أَعْذَرُ وَأَوْلَى بِهَذَا التَّخْفِيفِ وَلَا نُسَلِّمُ تَحَقُّقَ الْعَمْدِيَّةِ فَإِنَّهَا تَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِلْمِ وَالْعِلْمُ بِالْعَقْلِ وَالْمَجْنُونُ عَدِيمُ الْعَقْلِ وَالصَّبِيُّ قَاصِرُ الْعَقْلِ فَأَنَّى يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا الْقَصْدُ وَصَارَ كَنَائِمٍ وَحِرْمَانُ الْمِيرَاثِ عُقُوبَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَالْكَفَّارَةِ كَاسْمِهَا سِتَارَةٌ وَلَا ذَنْبَ تَسْتُرُهُ لِأَنَّهُمَا مَرْفُوعَا الْقَلَمِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَالْمَعْتُوهُ كَالْمَجْنُونِ) فِي لُزُومِ الدِّيَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَعَدَمِ لُزُومِ الْكَفَّارَةِ وَعَدَمِ الْحِرْمَانِ عَنْ الْإِرْثِ.

[فَصَلِّ فِي دِيَة الْجَنِين]

فَصَلِّ فِي الْجَنِين (وَمَنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ غُرَّةُ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ) وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْغُرَّةُ غُرَّةً لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْمَقَادِيرِ فِي الدِّيَاتِ وَأَقَلُّ الشَّيْءِ أَوَّلُهُ فِي الْوُجُودِ وَلِهَذَا يُسَمَّى أَوَّلُ الشَّهْرِ غُرَّةً لِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ يَظْهَرُ مِنْهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَوَجَبَتْ فِيهِ الْغُرَّةُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ وَعُشْرِ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ فِي الْجَنِينِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِحَيَاتِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ اسْتِحْسَانًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ: «فِي الْجَنِينِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيُرْوَى أَوْ خَمْسُمِائَةٍ» فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالْأَثَرِ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَدَّرَهَا بِسِتِّمِائَةٍ نَحْوِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا.

وَقَالَ مَالِكٌ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْجُزْءِ وَلَنَا أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ وَلِهَذَا «سَمَّاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَةً حَيْثُ قَالَ: دُوهُ وَقَالَ أَنَدِي مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ» الْحَدِيثُ إلَّا أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ مَا دُونَ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيَجِبُ فِي السَّنَةِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي ثَلَاثِ سِنِينَ (فَإِنْ أَلْقَتْهُ) أَيْ الْجَنِينَ (حَيًّا فَمَاتَ فِدْيَةٌ) أَيْ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَيًّا بِالضَّرْبِ السَّابِقِ.

(وَإِنْ) أَلْقَتْ (مَيِّتًا) سَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (وَمَاتَتْ الْأُمُّ فَغُرَّةٌ) لِلْجَنِينِ (وَدِيَةٌ) لِلْأُمِّ لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُمَا فَصَارَ كَمَا إذَا رَمَى شَخْصًا وَنَفَذَ مِنْهُ لِلْآخَرِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ إنْ كَانَ خَطَأً وَإِنْ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.

(وَإِنْ مَاتَتْ) الْأُمُّ (فَأَلْقَتْهُ) أَيْ الْجَنِينَ (حَيًّا فَمَاتَ) الْجَنِينُ (فَدِيَتُهَا) أَيْ تَجِبُ دِيَةُ الْأُمِّ (وَدِيَتُهُ) أَيْ دِيَةُ الْجَنِينِ لِأَنَّهُ قَاتِلُ شَخْصَيْنِ.

(وَإِنْ) مَاتَتْ الْأُمُّ بِالضَّرْبِ ثُمَّ أَلْقَتْ الْجَنِينَ (مَيِّتًا فَدِيَتُهَا) أَيْ دِيَةُ الْأُمِّ (فَقَطْ) وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الْغُرَّةُ فِي الْجَنِينِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَوْتُهُ بِالضَّرْبِ فَصَارَ

<<  <  ج: ص:  >  >>