لِلضَّارِبِ لِأَنَّ الْمُوضِحَةَ لَا تُورِثُ الْمُنَقِّلَةَ وَالتَّحْرِيكَ يُورِثُ السُّقُوطَ وَلَوْ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْحَوْلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وَقَدْ مَضَى الْأَجَلُ الَّذِي ضُرِبَ لِلسِّنِّ وَلَمْ تَسْقُطْ فَلَا شَيْءَ عَلَى الضَّارِبِ وَلَوْ اسْوَدَّتْ بِالضَّرْبِ أَوْ احْمَرَّتْ أَوْ أُحْضِرَتْ يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ لِذَهَابِ الْجَمَالِ وَلَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِمَا قُلْنَا فَأَوْجَبَ فِي الِاسْوِدَادِ وَنَحْوِهِ كَمَالَ الْأَرْشِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ سِنٍّ وَسِنٍّ وَقَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ الْأَضْرَاسِ وَبَيْنَ الْعَوَارِضِ الَّتِي تُرَى فَتَجِبُ فِي الْأَوَّلِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إذَا لَمْ يُفَوِّتْ بِهِ مَنْفَعَةَ الْمَضْغِ وَإِنْ فَاتَ يَجِبُ الْأَرْشُ كُلُّهُ كَيْفَ مَا كَانَ لِفَوَاتِ الْجَمَالِ وَإِنْ اصْفَرَّتْ تَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ.
وَقَالَ زُفَرُ: يَجِبُ فِيهَا أَرْشُ السِّنِّ كَامِلًا لِأَنَّ الصُّفْرَةَ تُؤَثِّرُ فِي تَفْوِيتِ الْجَمَالِ كَالسَّوَادِ وَلَنَا أَنَّ الصُّفْرَةَ لَا تُوجِبُ تَفْوِيتَ الْجَمَالِ وَلَا تَفْوِيتَ الْمَنْفَعَةِ فَإِنَّ الصُّفْرَةَ لَوْنُ السِّنِّ فِي بَعْضِ النَّاسِ وَلَا كَذَلِكَ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَالْخُضْرَةُ.
(وَلَوْ شَجَّ رَجُلًا فَالْتَحَمَتْ وَنَبَتَ الشَّعْرُ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ يَسْقُطُ الْأَرْشُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ أَرْشُ الْأَلَمِ وَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ) لِأَنَّ الشَّيْنَ الْمُوجِبَ إنْ زَالَ فَالْأَلَمُ الْحَاصِلُ لَمْ يَزُلْ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) عَلَيْهِ (أُجْرَةُ الطَّبِيبِ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَزِمَهُ بِفِعْلِهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ وَأَعْطَاهُ لِلطَّبِيبِ وَفُسِّرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ بِأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَالْمُدَاوَاةِ فَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْمُوجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الشَّيْنُ الَّذِي يَلْحَقُهُ بِفِعْلِهِ وَزَوَالِ مَنْفَعَتِهِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِزَوَالِ أَثَرِهِ وَالْمَنَافِعُ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ كَالْإِجَارَةِ وَالْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَيْنِ أَوْ شِبْهِ الْعَقْدِ كَالْفَاسِدِ مِنْهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْجَانِي فَلَا تَلْزَمُهُ الْغَرَامَةُ وَكَذَا مُجَرَّدُ الْأَلَمِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ.
(وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ بِضَرْبٍ فَزَالَ أَثَرُهُ) فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي سُقُوطِ الْأَرْشِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَوُجُوبِ الْأَرْشِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَوُجُوبِ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
(وَإِنْ بَقِيَ) أَثَرُهُ (فَحُكُومَةُ عَدْلٍ بِالْإِجْمَاعِ) وَقَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ بِقَوْلِهِ لَوْ جَرَحَهُ لِأَنَّهُ إذَا ضَرَبَهُ وَلَمْ يَجْرَحْ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (وَلَا يُقْتَصُّ لِجُرْحٍ أَوْ طَرَفٍ أَوْ مُوضِحَةٍ إلَّا بَعْدَ الْبُرْءِ) .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ قَدْ تَحَقَّقَ فَلَا يُؤَخَّرُ كَمَا فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْهُ «- عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ صَاحِبُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّ الْجِرَاحَاتِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَآلُهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ تَسْرِي إلَى النَّفْسِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ قَتْلٌ فَلَا يُعْلَمُ أَنَّهُ جُرْحٌ إلَّا بِالْبُرْءِ.
(وَكُلُّ عَمْدٍ سَقَطَ فِيهِ الْقَوَدُ لِشُبْهَةٍ كَقَتْلِ الْأَبِ ابْنَهُ فَالدِّيَةُ فِيهِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا لَا يَعْقِلُ الْعَاقِلَةَ عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا.
(وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ وَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ وَلَا حِرْمَانَ إرْثٍ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute