أَنَّ السَّعْيَ مَسْنُونٌ فِي بَطْنِ الْوَادِي لَا غَيْرُ كَمَا سَيَجِيءُ وَهُمَا جَبَلَانِ شَرْقِيَّانِ، وَالْأَوَّلُ مَائِلٌ إلَى جَنُوبِ الْبَيْتِ وَالثَّانِي إلَى شِمَالِهِ وَمَا بَيْنَهُمَا سِتَّةٌ وَسِتُّونَ وَسَبْعُمِائَةِ ذِرَاعٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رُكْنٌ (وَرَمْيُ الْجِمَارِ) أَيْ رَمْيُ سَبْعِينَ جَمْرَةً فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ لِلْآفَاقِيِّ وَغَيْرِهِ وَهِيَ عِدَّةُ حَصَيَاتٍ اجْتَمَعَتْ فِي الْمَنَاسِكِ وَسُمِّيَتْ جَمْرَةً لِتَجَمُّرِهَا هُنَاكَ وَإِضَافَةُ الرَّمْيِ إلَى الْجِمَارِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَالْمَعْنَى رَمْيُ الْحَصَاةِ إلَى الْجِمَارِ وَالْمَقْصُودُ الْأَصْلِيُّ مِنْهُ اتِّبَاعُ سُنَّةِ الْخَلِيلِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أُمِرَ بِذَبْحِ الْوَلَدِ جَاءَ الشَّيْطَانُ يُوَسْوِسُهُ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَرْمِي الْأَحْجَارَ طَرْدًا لَهُ فَكَانَ نُسُكًا (وَطَوَافُ الصَّدَرِ) بِالتَّحْرِيكِ.
وَفِي النُّتَفِ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْمَعْنَى طَوَافُ الْبَيْتِ عِنْدَ الرُّجُوعِ إلَى مَكَانِهِ (لِلْآفَاقِيِّ) أَيْ الْخَارِجِ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَكِّيِّ إذْ لَا وَدَاعَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنِّي أُحِبُّهُ لِلْمَكِّيِّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْآفَاقُ النَّوَاحِي وَالْوَاحِدُ آفَقُ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ آفَقِيٌّ، وَأَمَّا الْآفَاقِيُّ فَمُنْكَرٌ فَإِنَّ الْجَمْعَ إذَا لَمْ يُسَمَّ بِهِ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا يُنْسَبُ إلَى وَاحِدِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الْجَمْعَ بِالِاشْتِهَارِ وَغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ يَأْخُذُ حُكْمَ التَّسْمِيَةِ بِهِ فَيَجُوزُ النِّسْبَةُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا فِي الْإِصْلَاحِ وَيُمْكِنُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْآفَاقَ لَيْسَ بِجَمْعٍ حَتَّى وَجَبَ رَدُّهُ فِي النِّسْبَةِ إلَى الْوَاحِدِ فَعَنْ سِيبَوَيْهِ أَنَّ الْأَفْعَالَ لِلْوَاحِدِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعَرَبِ هُوَ إنْعَامٌ كَمَا فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ تَدَبَّرْ (وَالْحَلْقُ وَالتَّقْصِيرُ) هُوَ أَخْذُ رُءُوسِ الشَّعْرِ بِقَدْرِ أُنْمُلَةٍ عِنْدَ الْخُرُوجِ عَنْ الْإِحْرَامِ إلَّا أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ وَقِيلَ: إنَّهُ سُنَّةٌ (وَكُلُّ مَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ الدَّمُ) سَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْكُلِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَغَيْرُهُمَا) أَيْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ (سُنَنٌ) تَارِكُهَا مُسِيءٌ (وَآدَابٌ) تَارِكُهَا غَيْرُ مُسِيءٍ وَسَيَجِيءُ تَفْصِيلُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
[أَشْهُرِ الْحَجِّ]
(وَأَشْهُرُهُ) أَيْ أَشْهُرِ الْحَجِّ الَّتِي لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِهِ إلَّا فِيهَا (شَوَّالٌ وَذُو الْقِعْدَةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَالسُّكُونِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا (وَالْعَشْرُ الْأُوَلُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا لَكِنْ قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ الْفَتْحُ لَمْ يُسْمَعْ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْله تَعَالَى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: ١٩٧] وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الْعَبَادِلَةِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُبَيْرٍ فَالْمُرَادُ حِينَئِذٍ مِنْ الْجَمْعِ شَهْرَانِ وَبَعْضُ شَهْرٍ مَجَازًا حَيْثُ جَعَلَ بَعْضَ الشَّهْرِ شَهْرًا وَمَا فِي الْمِنَحِ مِنْ أَنَّ اسْمَ الْجَمْعِ يَشْتَرِكُ فِيهِ مَا وَرَاءَ الْوَاحِدِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] فَلَا سُؤَالَ فِيهِ إذًا وَإِنَّمَا يَكُونُ مَوْضُوعًا لِلسُّؤَالِ لَوْ قِيلَ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ كَذَا فِي الْكَشَّافِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ فَإِنَّهُ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ لَا يَلِيقُ بِفَصَاحَةِ الْقُرْآنِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَيُكْرَهُ) كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ (الْإِحْرَامُ لَهُ) أَيْ الْحَجِّ (قَبْلَهَا) أَيْ الْأَشْهُرِ سَوَاءٌ أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ أَوْ لَا بِخِلَافِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَى الْمَوَاقِيتِ فِي الْأَشْهُرِ وَهُوَ الْحَقُّ.
وَفِي الْمُحِيطِ إنْ أَمِنَ مِنْ الْوُقُوعِ فِي مَحْظُورِ الْإِحْرَامِ لَا يُكْرَهُ.
وَفِي النَّظْمِ أَنَّهُ يُكْرَهُ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي الْقَوْلِ الْجَدِيدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute