[فَصَلِّ فِي الشُّرْب]
لَمَّا فَرَغَ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ ذَكَرَ مَا يَتَعَلَّقُ مِنْ مَسَائِلِ الشِّرْبِ لِأَنَّ إحْيَاءَ الْمَوَاتِ يَحْتَاجُ إلَيْهِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ الشِّرْبُ بِالْكَسْرِ اسْمُ الْمَصْدَرِ فَهُوَ لُغَةً الْمَاءُ الْمَشْرُوبُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ (هُوَ) أَيْ الشِّرْبُ (النَّصِيبُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء: ١٥٥] أَيْ نَصِيبٌ (مِنْ الْمَاءِ) أَيْ الْحَظِّ الْمُعَيَّنِ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي أَوْ الرَّاكِدِ لِلْحَيَوَانِ أَوْ الْجَمَادِ وَشَرِيعَةُ زَمَانِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَاءِ سَقْيًا لِلْمَزَارِعِ أَوْ الدَّوَابِّ (وَالشَّفَةُ شُرْبُ بَنِي آدَمَ) أَيْ اسْتِعْمَالُهُمْ الْمَاءَ لِدَفْعِ الْعَطَشِ أَوْ الطَّبْخِ أَوْ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ أَوْ غَسْلِ الثِّيَابِ أَوْ نَحْوِهَا.
(وَ) شُرْبُ (الْبَهَائِمِ) أَيْ اسْتِعْمَالُهُنَّ الْمَاءَ لِلْعَطَشِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُنَاسِبُهُنَّ وَالْبَهِيمَةُ مَا لَا نُطْقَ لَهُ وَذَلِكَ لِمَا فِي صَوْتِهِ مِنْ الْإِبْهَامِ لَكِنْ يَخُصُّ التَّعَارُفَ بِمَا عَدَا السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (الْأَنْهَارُ الْعِظَامُ كَالْفُرَاتِ) نَهْرُ الْكُوفَةِ (وَدِجْلَةَ) نَهْرُ بَغْدَادَ وَغَيْرِهِمَا (غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ) لِأَحَدٍ لِعَدَمِ يَدٍ فِيهَا عَلَى الْخُصُوصِ لِأَنَّ قَهْرَ الْمَاءِ يَمْنَعُ قَهْرَ غَيْرِهِ فَلَا تَكُونُ مُحْرَزًا وَالْمِلْكُ بِالْإِحْرَازِ (وَلِكُلِّ أَحَدٍ فِيهَا) أَيْ فِي الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ (حَقُّ الشَّفَةِ وَالْوُضُوءِ وَنَصْبِ الرَّحَى وَكَرْيِ نَهْرٍ إلَى أَرْضِهِ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالنَّهْرِ كَالِانْتِفَاعِ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ أَحَدٌ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَشُرِطَ لِجَوَازِ الِانْتِفَاعِ (إنْ لَمْ يَضُرَّ) الشَّقُّ (بِالْعَامَّةِ) وَإِنْ كَانَ مُضِرًّا بِأَنْ مَالَ الْمَاءُ إلَى جَانِبٍ تُغْرِقُ الْأَرَاضِيَ لَيْسَ لَهُ الشَّقُّ وَنَصْبُ الرَّحَى عَلَيْهِ لِأَنَّ شَقَّ النَّهْرِ لِلرَّحَى كَشَقِّهِ لِلسَّقْيِ (.
وَفِي الْأَنْهَارِ الْمَمْلُوكَةِ وَالْحَوْضِ وَالْبِئْرِ وَالْقَنَاةِ لِكُلِّ) أَحَدٍ (حَقُّ الشَّفَةِ) وَحَقُّ سَقْيِ الدَّوَابِّ (إنْ لَمْ يَخَفْ التَّحْرِيبَ لِكَثْرَةِ الْمَوَاشِي) حَتَّى لَوْ خِيفَ التَّحْرِيبُ لِكَثْرَةِ الدَّوَابِّ يُمْنَعُ لِأَنَّ الْحَقَّ لِصَاحِبِهِ عَلَى الْخُصُوصِ وَإِنَّمَا أَثْبَتْنَا حَقَّ الشِّرْبِ لِغَيْرِهِ لِلضَّرُورَةِ فَلَا مَعْنَى لِإِثْبَاتِهِ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَرَّرُ بِهِ صَاحِبُهُ (أَوْ) لَمْ يَخَفْ (الْإِتْيَانَ عَلَى جَمِيعِ الْمَاءِ) .
وَفِي الْهِدَايَةِ الشَّفَةُ إذَا كَانَ يَأْتِي عَلَى الْمَاءِ كُلِّهِ بِأَنْ كَانَ جَدْوَلًا صَغِيرًا وَفِيمَا يَرِدُ مِنْ الْإِبِلِ وَالْمَوَاشِي كَثِيرَةٌ يَنْقَطِعُ الْمَاءُ بِشُرْبِهَا قِيلَ لَا يُمْنَعُ مِنْهُ لِأَنَّ الْإِبِلَ لَا تَرِدُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ فَصَارَ كَالْمُيَاوَمَةِ وَهُوَ سَبِيلٌ فِي قِسْمَةِ الشِّرْبِ وَقِيلَ لَهُ أَنْ يُمْنَعَ اعْتِبَارًا بِسَقْيِ الْمَزَارِعِ وَالْمَشَاجِرِ وَالْجَامِعُ تَفْوِيتُ حَقِّهِ انْتَهَى.
وَفِي التَّبْيِينِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُمْنَعُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَاهُ آنِفًا وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ لِأَنَّهُ يَلْحَقُ ضَرَرٌ بِذَلِكَ كَسَقْيِ الْأَرَاضِي انْتَهَى وَلِهَذَا اخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْمَنْعَ تَابِعًا لِلْأَكْثَرِ.
(وَلَا سَقْيُ أَرْضِهِ أَوْ شَجَرِهِ) أَيْ لَيْسَ لِأَحَدٍ سَقْيُ أَرْضِهِ وَشَجَرِهِ مِنْ نَهْرِ غَيْرِهِ وَقَنَاتِهِ وَبِئْرِهِ وَحَوْضِهِ (إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إذْنِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute