قَدْ لَا يُمْكِنُهُ إلْقَاءُ التُّرَابِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَيَحْتَاجُ إلَى إلْقَائِهِ فِي أَحَدِهِمَا فَيُقَدَّرُ فِي كُلِّ طَرَفٍ بِبَطْنِ النَّهْرِ وَالْحَوْضُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَهُمَا أَنَّهُ لَا انْتِفَاعَ بِالنَّهْرِ إلَّا بِالْحَرِيمِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْمَشْيِ فِيهِ لِتَسْيِيلِ الْمَاءِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ عَادَةً فِي بَطْنِهِ وَإِلَى إلْقَاءِ الطِّينِ وَلَا يُمْكِنُهُ النَّقْلُ إلَى مَكَان بَعِيدٍ إلَّا بِحَرَجٍ فَيَكُونُ لَهُ الْحَرِيمُ اعْتِبَارًا بِالْبِئْرِ وَلَهُ أَنَّ الْحَرِيمَ ثَبَتَ فِي الْبِئْرِ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِهِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ فِي الْبِئْرِ أَكْثَرُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِمَاءِ الْبِئْرِ بِدُونِ الِاسْتِقَاءِ وَالِاسْتِقَاءُ إلَّا بِالْحَرِيمِ وَأَمَّا النَّهْرُ فَيُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِمَائِهِ بِدُونِ الْحَرِيمِ.
وَفِي الشُّمُنِّيِّ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْإِمَامُ وَصَاحِبَاهُ فِي مَوْضِعِ الِاشْتِبَاهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ النَّهْرُ مُوَازِيًا لِلْأَرْضِ وَلَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا وَأَنْ لَا يَكُونَ الْحَرِيمُ مَشْغُولًا بِحَقِّ أَحَدِهِمَا كَالْغَرْسِ حَتَّى لَوْ كَانَ مَشْغُولًا بِحَقِّ أَحَدِهِمَا كَانَ أَحَقَّ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى وَإِنَّمَا قُلْنَا هُوَ مَجْرًى كَبِيرٌ لِأَنَّ الْمَجْرَى لَوْ كَانَ صَغِيرًا يَحْتَاجُ إلَى الْكَرْيِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَلَهُ الْحَرِيمُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُ مُحَمَّدٍ (الْأَرْفَقُ) بِالنَّاسِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ النَّهْرِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْكَرْمَانِيِّ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (فَالْمُسَنَّاةُ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَتَفْرِيعٌ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْبُورِ يَعْنِي الْمُسَنَّاةَ الَّتِي (بَيْنَ النَّهْرِ) أَيْ بَيْنَ نَهْرِ رَجُلٍ صِفَةُ الْمُسَنَّاةِ (وَالْأَرْضُ) أَيْ وَأَرْضُ الْآخَرِ.
(وَ) الْحَالُ أَنَّهَا (لَيْسَتْ فِي يَدِ أَحَدٍ) مِنْهُمَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا غَرْسٌ وَلَا طِينٌ مُلْقًى لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِلَّا فَصَاحِبُ الشَّغْلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ صَاحِبُ يَدٍ وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدٌ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهَا وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ غَرْسٌ لَا يُدْرَى مَنْ غَرَسَهُ فَهُوَ مِنْ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ (لِصَاحِبِ الْأَرْضِ) هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ إذْ لَا حَرِيمَ لِلنَّهْرِ عِنْدَهُ (فَلَا يَغْرِسُ فِيهَا صَاحِبُ النَّهْرِ وَلَا يُلْقِي عَلَيْهَا طِينَهُ وَلَا يَمُرُّ) لِكَوْنِهَا تَعَدِّيًا مِنْهُ فِي حَقِّ مَالِكِهَا (وَقِيلَ لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ النَّهْرِ (الْمُرُورُ وَإِلْقَاءُ الطِّينِ) فِيهَا (مَا لَمْ يُفْحِشْ) وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ حَقُّ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ وَلَكِنْ لَا يَغْرِسُ فِيهِ إلَّا الْمَالِكُ (وَعِنْدَهُمَا هِيَ) أَيْ الْمُسَنَّاةُ (لِرَبِّ النَّهْرِ فَلَهُ ذَلِكَ) أَيْ الْغَرْسُ وَالْإِلْقَاءُ وَالْمُرُورُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمَا كَمَا مَرَّ آنِفًا وَ (قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَخَذَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ فِي الْغَرْسِ وَبِقَوْلِهِمَا فِي إلْقَاءِ الطِّينِ) فَلَا يَغْرِسُ فِيهَا صَاحِبُ النَّهْرِ كَيْ لَا يُبْطِلَ حَقَّ مَالِكِهَا وَلَكِنْ يُلْقِي الطِّينَ لِلْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ.
(وَمَنْ غَرَسَ شَجَرَةً فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَلَهُ حَرِيمُهَا خَمْسَةَ أَذْرُعٍ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ) كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ غَرَسَ شَجَرَةً فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ فَحَرِيمُهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ لَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَغْرِسَ فِيهِ انْتَهَى (يُمْنَعُ غَيْرُهُ مِنْ الْغَرْسِ فِيهِ) لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْحَرِيمِ لِجِذَاذِ ثَمَرِهِ وَالْوَضْعِ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute